ماجد بن نويصر

نعيم لبنان، ولبنان نعيم

الأربعاء - 22 ديسمبر 2021

Wed - 22 Dec 2021

دعونا ننحِ جانبا تصريح هاشم صفي الدين (رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله) الذي قال: (إن لبنان اليوم يعيش [نعيم] الانتصارات) على ما يحمله من دلالات في التوقيت والصياغة، ولنعش قليلا مع تصريح جندي (الباسدران) الآخر نعيم قاسم (نائب الأمين العام لحزب الله).

تصريح نعيم لا يحمل -في نظري- أي جديد، لأنه ببساطة يسير على طريق ممنهج وممهد له منذ تأسيس حزب الله على يد الباسدران أو الحرس الثوري الإيراني عام 1982.

كان مقتضى تصريح قاسم هو التالي: (إن لبنان الذي نعيشه اليوم هو الواقع المتحقق والدائم للوطن، فمن رضي به فليلتحق بخط المقاومة والكرامة، ومن لم يرضَ، فليبحث عن حل آخر، وإن لبنان هذا يشبهنا ولا يشبهكم)، وقد نجح هذا البوق الصفوي كعادته في استفزاز اللبنانيين، حيث واجه ردود أفعال واسعة من مختلف الطوائف، ولأنني مدرك بحكم العادة لسعة الخيال الصفوي وطبيعة العيش في الأوهام لم يكن هذا التصريح ليعني لي شيئا بالمعنى السياسي، إلا أنه كانت هناك جملتان استوقفتاني وتطلب مني الأمر استدراكا تاريخيا خاصا وهي قوله (ومن لم يرضَ، فليبحث عن حل آخر)، وقوله (لبنان هذا يشبهنا ولا يشبهكم)، كان المفهوم السياسي واضحا (الحالة الإيرانية هي مستقبل لبنان لأنها تشبهنا ومن لا يعجبه فليهاجر) هكذا ببساطة، كل من رد على نعيم قاسم كان يستند على هذا المفهوم.

عندما قرأت هذا التصريح لم أُعنَ به سياسيا بقدر ما كان يعنيني حجم التطفل الذي وصل إليه حزب الله على الطائفة الشيعية في لبنان ومحاولته احتكار حق المقاومة ونسبة جميع العمليات العسكرية ضد إسرائيل إليه، ولحلحلة هذه البروباغاندا الزائفة لا بد من العودة بالزمن إلى الوراء قليلا، وتحديدا إلى العام 1959م، العام الذي دخل فيه الإمام موسى الصدر إلى لبنان بدعوة من أقاربه في صُوْر بعد وفاة الإمام عبدالحسين شرف الدين.دخل موسى الصدر لبنان في حالة من الغليان الطائفي المتصاعد، كان الصدر، بالإضافة إلى نسب أسرته العريق بين الأوساط الشيعية في الدول العربية، كان على سعة من العلم والثقافة والاطلاع، وكان صاحب كاريزما قيادية، وقد استفاد كثيرا من كل هذه العوامل بأن كان داعية سلام بين جميع الطوائف، وكان يلقي المحاضرات والمواعظ الوحدوية الوطنية حتى في الكنائس المسيحية، وفي نفس الوقت كان الشيعة في لبنان في وضع مزر من الفقر والجهل والضياع، وكانوا يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية، إذ يكفي أن ترى متسولا في الشارع لتعرف أنه من الشيعة.

لم يقف موسى الصدر مكتوفا أمام هذا الوضع المزري لأبناء طائفته، فقام بتحركات عديدة للملمة شتاتهم والمطالبة بحقوقهم، منها مثلا تأسيسه لحركة المحرومين التي اهتمت بأحوال المستضعفين منهم واتسعت لتشمل محرومي الطوائف كلها، وكذلك تفعيله عمل جمعية البر والإحسان، وتأسيس مدرسة جبل عامل المهنية، كذلك أنشأ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لتوحيد كلمة الشيعة، أما أهم أعماله والذي يعنينا هنا هو تأسيسه لأفواج المقاومة اللبنانية والتي عرفت اختصارا بحركة (أمل).

كانت حركة أمل نموذجا طبق الأصل لشخصية موسى الصدر، حركة وطنية قومية لا طائفية بامتياز هدفها التصدي للعدوان الإسرائيلي ومساعدة الفدائيين الفلسطينيين مع الرفض التام لتوجيه السلاح نحو الداخل على أي طائفة كانت.

وقد حققت الحركة نجاحات وانتصارات شعبية على قدر محدود، حتى أعلن عن اختفاء الصدر في ليبيا عام 1978م، ما أحدث فراغا مؤلما للشيعة في الحركة الأمر الذي تزامن مع الثورة الخمينية الصفوية عام 1979م، وكانت الاختلافات العقائدية جلية بين الخميني وأتباع الصدر كحسين الحسيني ونبيه بري مما صعب على الخميني استخدام أمل لتصدير الثورة.

وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م خشي حافظ الأسد من تأثير إسرائيل على شيعة جنوب لبنان فعقد صفقة مع الخميني سمح من خلالها بدخول 1500 من عناصر الحرس الثوري الإيراني إلى جنوب لبنان كانوا نواة لما سيعرف لاحقا بـ (حزب الله).

بدأ هذا التنظيم الصفوي بتصفية الهوية الوطنية العربية للمقاومة واستبدالها بالهوية الخمينية الصفوية تحت شعار المظلومية الشيعية، وبدأوا ذلك بتصفية أقرب الأقربين لهم وهم كوادر حركة أمل، مثل داود داود ومحمود فقيه وحسن سبيتي، وقاموا بعمليات عبثية في الداخل اللبناني ضد أهداف أمريكية وفرنسية من تفجير وخطف رهائن وطائرات أضافت الطابع الإرهابي على المقاومة وحرفتها عن طابعها الشرعي إلى طابع وكيل مساومات للنظام الخميني.

وعلى الرغم من التعاطف الشعبي الذي أعقب خروج القوات الإسرائيلية عام 2000م إلا أن الحزب ما لبث أن عاد إلى أصله الخميني الصفوي فأبى تسليم السلاح بل واستعمله ضد كل من دعا إلى ذلك، فاغتال رفيق الحريرى وأعقبه باغتيال 15 من معارضيه من البرلمانيين والمثقفين والوطنيين اللبنانيين. ثم احتل العاصمة عام 2008م لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، واستمر الحال في تدهور ولم يعد يخجل الحزب من التدخل عسكريا في الدول العربية فتدخل في سوريا والعراق والكويت واليمن، هذا إذا أضفنا إلى ذلك كله تاريخ التصريحات العلنية لزعيمه حسن نصرالله بأنه يعمل ليكون لبنان جزءا من إيران، أو حين يفخر بكونه جنديا في ولاية الفقيه، وبأن ولاية الفقيه أهم عنده من الدستور اللبناني، ناهيك عن قصة الرواتب والمعاشات، ثم التوسع إلى إنتاج وتهريب المخدرات وغسيل الأموال في أوروبا وأمريكا الجنوبية وغيرها وغيرها.

والآن وبعد هذه السردية المختصرة لنشأة وتطفل هذا المسخ المشوه المدعو حزب الله على الشيعة والتشيع والمقاومة والدولة اللبنانية بتاريخها العريق.. أي لبنان يقصد نعيم قاسم؟! لبنان الدولة أم لبنان الولاية الفارسية؟! لبنان التاريخ والحضارة ودور النشر والريادة الثقافية؟! أم لبنان المخدرات والاختطافات والاغتيالات؟! لبنان العضو المؤسس للجامعة العربية؟! أم لبنان الحرس الثوري الإيراني؟! لبنان الفسيفساء المتجانسة المتناغمة بين طوائفه الثماني عشرة منذ آلاف السنين؟! أم لبنان المختطف ذو الوجه الواحد البشع؟!

الأكيد والذي أقسم عليه، أنك يا نعيم آخر من يتمنى خروج اللبنانيين من البلد، لأنك تعلم أنه بذلك سوف ينكشف ظهرك الذي لطالما استندت إليه، ستفقد النساء والأطفال والضعفاء الذين تستعملهم متاريس لعملياتك الإرهابية، ستفقد ورقة التوت التي بقيت لك من شرعية دولية. إذا خرج اللبنانيون فستقف لوحدك أمام 47 دولة ينظرون إليك وعصابتك كإرهابيين مدانين تماما كطالبان 2001م. ولأنني أؤمن بأن التاريخ لا يكذب ولا يغير مبادئه، فأنا على يقين أنك وجماعتك لن تصمدوا ربع صمود طالبان.. ولتفهمها كما شئت!!

MBNwaiser@