مرزوق بن تنباك

يوم اللغة وأيامها

الثلاثاء - 21 ديسمبر 2021

Tue - 21 Dec 2021

اتخذت اليونسكو يوم 18 ديسمبر من كل عام يوما للغة العربية، وقد مر هذا اليوم منذ أيام مضت كما يمر كل يوم من الأيام ولا يلبث أن تكون الذكرى وانتظار يوم آخر نعيد فيه الحديث عن أهمية المحافظة عليها والحديث عن مكانتها وفضائلها، وهكذا دواليك، لكن الحقيقة أن اللغة ليست للتواصل اليومي كما هو الظاهر من الاستعمال، ولكن اللغة تعد هوية الأمة وعقلها الذي يحمل رسالتها وتصورها ووظيفتها في الحياة.

ولهذا كانت اللغة تعبر عن هوية الأمة وتحدد مكانتها بين شعوب الأرض وقد عرفت الأمم قيمة اللغة وحافظت عليها وانتسبت لها؛ لأنها تقاس أهميتها وانتشارها بقوة الشعب الذي يتكلمها، ولا تجد أمة من الأمم إلا وهي تولي لغتها العناية الفائقة التي تستحقها، ولهذا كانت هي الصلة بين الشعوب وهي آلة التواصل الذي لا ينقطع ولا يعوض غيره عنه كل أمة تحترم نفسها وتاريخها وثقافتها بل هويتها وكينونتها تجعل لغتها محور نشاطها ولا تقبل أن يكون غيرها من اللغات بديلا عنها.

حاضر اللغة وأهلها يحتاج إلى موقف رشيد واهتمام واسع من أهلها والحذر من مزاحمة اللغات الأجنبية لها أو قبول الموازاة في استعمالها.

واللغة العربية أخذت حيزا واسعا في التاريخ القديم وكانت هي اللغة العالمية التي يتفاهم بها أكثر شعوب الأرض في ذلك الزمن، وحملت ثقافة العرب وحضارتهم إلى الآفاق حين كان للعرب قوة وسلطان وهي من أقدم اللغات حياة ومن أكثر اللغات رصيدا معرفيا في الشرق والغرب ووسيطا بين لغاته.

واليوم تحتل مكانها بين لغات العالم المعاصر وموقعها في قلبه مكانا يحقق لها الاعتبار، ولها أبناؤها الذين يحافظون عليها ويطورون في آليات حاضرها ويشاركون في رصيد العالم الثقافي بلغة تمتد جذورها إلى ألفي عام.

وإذا كان الحاضر يجعل من تقاليد العناية باللغات مهمة عالية ويخصص الأيام والاحتفالات للتذكير بأهمية اللغة ومرجعيتها المعرفية فإن اللغة العربية تستحق من أبنائها أن يجعلوا السنة كلها في أيامها وشهورها مجالا لاحترام لغتهم وتجديدها والحفاظ عليها والدعوة لها والإصرار على استعمالها في شؤونهم الثقافية والمعرفية والتواصل مع الناس كافة.

إن الحاضر بطيفه الواسع وانتشار وسائل الاتصال والتواصل يجعل أهمية التفاعل الوجداني مع اللغة واجبا مقدسا لا سيما أن لغتنا لغة العربية لغة رسالة عالميا ولغة ثقافة ولغة دين يحتاجها العرب لوحدتهم وكيانهم والتعبير عن وجودهم ويحتاجها المسلمون لمعرفة دينهم وقراءة كتاب ربهم ويحتاجها العالم للتواصل مع أكثر من مليار من سكان الأرض الذي جعلهم الله شعوبا وقبائل ليتعارفوا بينهم تتسع دائرة اللغة في هذا الزمن وتتسع معها أهميتها ومكانها وترتفع باتساعها أهمية أهلها والمتكلمون بها.

إن اللغة كائن حي متطور ومتغير وهنا تحتاج إلى الرعاية لتعيش وتقوى وتقوم بوظيفتها بين لغات العالم ولا يكون ذلك حتى يدرك أهلها أنهم مسؤولون عن تطويرها وعن تقويتها وعن صحتها وسلامتها والعمل على نشرها وهذا ما تفعله كل أمة بلغتها ولن يكون العرب والمسلمون إلا حماة لها يحافظون عليها ويعيدون لها قوتها إن شاء الله فليكن هذا اليوم الذي نحتفل به ليس للذكرى فحسب ولكن للعمل وبدءا للانطلاق بها لتقوم بواجبها وتعبر عن أبنائها بكل ما تملك من التراث العريض وما تحتوي من كنوز ثقافية كبيرة تلك هي اللغة العربية وذلك هو ما نريده لها وما نريده منها والله يحفظ اللغة بحفظه ويرزقها برجال أقوياء بالحق مخلصين بالعمل قادرين عليه والله على كل شيء قدير.

Mtenback@