عبدالمولى زهيميل

الفلسفة النابليونية

الأربعاء - 15 ديسمبر 2021

Wed - 15 Dec 2021

خلق الله الإنسان وأودع فيه إمكانات هائلة تميز بها عن غيره من المخلوقات، لقد تميز بالنشاط العقلي (التفكير) الذي يقوم به الدماغ (العضو) كاستجابة للمثيرات التي يتلقاها عن طريق الحواس ويتعامل مع المواقف ويسيطر عليها ومن خلاله يتم اكتساب المعارف والخبرات وفهم طبيعة الأشياء وتحليلها وتفسيرها وتقييمها، وهذه القدرات التي خلقها الله في الإنسان تضمن له بحول الله وقوته أنه قادر على التعلم وبإمكانه تعلم أي شيء يريد إذا كان هناك رغبة وقدرة على تحمل رحلة التعلم سواء كانت قصيرة أو طويلة؛ لأنه كما قال عليه الصلاة والسلام: إنما العلم بالتعلم وهذا يتطلب صبرا ومثابرة، أيضا لا ننسى توافر شروط التعلم عند المتعلم من نضج ودافعية وممارسة وكذلك الصحة الجسمية والعقلية، ومع اختلاف وجهات النظر حول عملية التفكير وكيف تتم عملية التفكير من قبل نظريات التعلم سلوكية أو بنائية أو معرفية وغيرها ولكن كلها أجمعت أنه نشاط عقلي تميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات.

إذن أي إنسان يستطيع أن يتعلم مع الأخذ بعين الاعتبار الفروق الفردية ونمط التعلم للشخص، ولكن للأسف جملة (ما تعرف) يمارسها بعض الآباء والأمهات مع أبنائهم وبعض المعلمين والمعلمات في فصولهم مع تلاميذهم في التعليم العام، وبعض أساتذة الجامعة مع طلابهم في القاعات في مرحلة البكالوريوس، وحتى في سياقات غير تعليمية أو تربوية فالقائد والمدير والرئيس يجب أن يتنبه لمثل هذه الكلمات، وتزداد خطورة هذه الجملة في السنوات الأولى من حياة الإنسان؛ لأنه مازال في طور تشكيل البنية المعرفية له، فإذا تسللت لها هذه الجملة أضرت بالبناء المعرفي وعطلت عجلة التطور المعرفي عند الإنسان ومع مرور الوقت يكتشف أن هناك مهارات حياتية أو تعليمية لم يتقنها.

ولعل من المناسب أن أحكي لكم هذه القصة، فقد روى لي أحد الأصدقاء قصة يقول فيها: كنت أعيش في قرية مع أبناء العمومة، ولابد لابن القرية أن يتعلم بعض المهارات التي فيها شيء من الرجولة والتميز، وعلامة فارقة للمتميزين والأقوياء من أبناء القرية، وكنت آنذاك لدي طموح قوي أن أتقن هذه المهارة كي ألتحق بصفوف المتميزين الذين ينظرون لهم الآباء والأمهات في قريتنا بإعجاب، ولكن أمي الطيبة وقفت في طريقي بجملة (ما تعرف) مع إني قد أتفوق عليهم في الذكاء والقوة البدنية، ولخوف أمي من عدم إنجاح المهمة من أول مرة وعدم قدرتها على تحمل ذلك؛ لم تسمح لي بالمحاولة ولو مرة واحدة، في حين أن أولئك الأقران وجدوا المساحة المناسبة للمحاولة والتجريب حتى وصلوا إلى درجة الإتقان يواصل صديقي حديثه قائلا: مرت الأيام والسنون وقد شارفت على الأربعين من عمري ولم أتقن هذه المهارة ومازالت في الحلق غصة أنني لم أتقن هذه المهارة، ولكن حين أتذكر هذه المهارة أحمد الله أنها لم تكن مهارة مصيرية وذات أثر في حياتي فهي مهارة ارتبطت بزمان ومكان معين وجاء في وقتنا ما يسد مكانها.

انظروا لأثر جملة (ما تعرف) صحيح إنها كلمتان خفيفتان على اللسان ولكن ثقيلتان في العقل الباطن فهي تتورم شيئا فشيئا حتى تسد منافذ المعرفة فلا تكن محاولة ولا تجربة ولا تعلم، ومن هنا أدعو وأرجو من الجميع محاربة هذه الجملة وأن يتبنوا الفلسفة النابليونية التي بنى من خلالها نابليون جيشا قويا لا يقهر، فقد كان يرد بثلاث لثلاثة: من قال لا أقدر قال له حاول ومن قال: لا أعرف قال له: تعلم ومن قال مستحيل قال له: جرب.

فاتركوا أعزائي مساحة للتعلم والمحاولة والتجريب من أجل تحقيق رؤية 2030 والوصول إلى مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح؛ فالإنسان من يعمر الأوطان إن وجدَ البيئة المحفزة والداعمة.