زهير ياسين آل طه

رواد الأعمال والذكاء الاصطناعي في حافة الفوضى

الثلاثاء - 14 ديسمبر 2021

Tue - 14 Dec 2021

فرضية حافة الفوضى «Edge of Chaos» المشتقة إجمالا من نظرية الفوضى «Chaos Theory» العلمية المتعددة التخصصات كفرع من الرياضيات؛ تستخدم للإشارة إلى المساحة الانتقالية بين النظام والفوضى، وتُعرف منطقة الانتقال بين أي نظامين بينهما حركة ديناميكية باسم حافة الفوضى، وهي منطقة من عدم الاستقرار المحدود التي تولد تفاعلا مستمرا وإرباكا بين النظام والفوضى، ويفترض أن تكون هذه المساحة بين الموقعين موضعا لأقصى قدر من التعقيد والديناميكيات التي تقود التطوير، من حيث استفزاز واستحثاث الإبداع والتفكير الابتكاري في النمطية المثالية للذكاء الاستراتيجي، وخاصة لمن يُعطى مهام قيادة التطوير والتنمية في التنظيمات العلمية والعملية والتوجيهية والتنظيمية القانونية والرقابية وعلى رأسها الوزارات والهيئات.

وتتواجد هذه الفرضية ضمن أنظمة متنوعة في حياتنا بشتى أنماطها ومنها السياسية والاقتصادية والبيئية والمناخية والصحية والعملية والعلمية والبحثية، وأيضا في صناعة الذكاء الاصطناعي الذي يصارع مطوروه في التعلم العميق لمحاكاة الإنسان وذكائه العصبي في الدماغ، ليتمكن من التعامل والتصرف بشكل آمن وموثوق وبأكثر دقة في حافة الفوضى، في إشارة إلى بعض النظريات في علم الأعصاب التي تدَّعي أن العقل البشري لديه القدرة والقابلية أن يعمل في حافة الفوضى أو ما يسمى بالحالة الحرجة، في اعتقاد بعض علماء الأعصاب أن الدماغ يحقق أقصى أداء له في هذه الحالة.

ولبرهنة ما يدعيه بعض علماء الأعصاب بالفرضية بطريقة توضيحية؛ فقد تم استخدامها كنموذج لدراسة الإبداع لدى الأفراد كما يشير إليها «روبرت بيلدر» أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا، مبررا دراسته وتحليله للفرضية بالنسبة للإبداع بأن التغييرات الإبداعية والتحولات الكبيرة تحدث في المنطقة الانتقالية بين النظام والفوضى، ملخصا فهمه للإبداع الفردي بحرية الاستكشاف في حافة الفوضى بعيدا عن البحث عن الإجابات الصحيحة من الخاطئة إذا أعطي الفرد الفرصة والحرية والثقة، فتزداد مشاركته وتفكيره وربطه للأحداث والأفكار مما تجعله أكثر استحثاثا للذكاء وتعمقا في الإبداع لاستنتاج الأفكار الخلابة وتحويلها لابتكارات فعالة.

لكن الأمر ليس بهذه السهولة في التعامل مع حافة الفوضى واجتيازها بأمان نحو النجاح بما يخدم المستقبل التنموي والاقتصادي، فهذه الفرضية لها اعتبارات ومناسبات كثيرة كما أشرنا، والإبداع يحل موقعا مهما في اجتيازها، وهدمه وإعادة توظيفه وتجديده بشكل دائري ومستمر نحو بروز وتدفق ابتكارات جديدة ذو ضرورة في مواقع كثيرة، ومنها الاقتصاديات كما يراها الخبير الاقتصادي جوزيف شومبيتر، الذي يؤكد على أن رواد الأعمال لهم دور مهم في حركة اقتصاد السوق وقوته إذا أخلَّوْا بتوازن الاقتصاد الكلاسيكي الثابت الساكن وحركوه بابتكارات جديدة تقلب القديمة منها أو تطورها، وبالتأكيد سيتحقق التدفق الفكري الإبداعي إذا أعطي الرواد الفرصة والحرية والثقة والدعم بدون عوائق.

لكن ما يحدث في الساحة العملية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة مؤلم ومدمر للإبداع نهائيا في كيفية التعامل التنظيمي القاصر المتأرجح مع الفرضية بين الإيجابية المنخفضة والسلبية المرتفعة في ظل الفوضى التي أفرزتها الأحداث والأزمات، خاصة مع أزمة وباء فيروس الكورونا «كوفيد-19» وتتابع متحوراته المقلقة الغامضة، والتي لا يزال يعاني منها رواد الأعمال وما يتعرضون له من ضغوط في حافة الفوضى التي خلقتها الجائحة ولم يتمكنوا من اجتيازها لأسباب كثيرة إما لقلة الدعم أو لزيادة الخنق بدون رحمة ولا تقدير ولا تقييم ولا فهم لمضمون الذكاء الاستراتيجي في النمو الاقتصادي، وكأني أتصور حافة الفوضى في بعض المجتمعات العملية بعنق الزجاجة البلاستيكية القابلة للطي لزيادة الخنق للخروج من السوق الاقتصادي بعاهات وديون.

التجارب العلمية المتعددة بما فيها الذكاء الاصطناعي والذكاء العصبي في الإنسان تحاكي بعضها، وقد تساعد قيادي الذكاء الاستراتيجي في الاقتصاد والتنمية لفهم التقارب والحركة التحفيزية المعتدلة في حافة الفوضى، فمثلا اكتشف العلماء في جامعة سيدني والمعهد الوطني الياباني لعلوم المواد في بحث تم نشره في يونيو 2021 مضمونه «حافة الفوضى تفتح الطريق لاكتشافات الذكاء الاصطناعي»؛ بحيث يمكن ضبط شبكة اصطناعية من الأسلاك النانوية المتشابكة للاستجابة بطريقة تشبه الدماغ عند تحفيزها كهربائيا في محاكاة عملية لحافة الفوضى، وهذا التحفيز الكهربائي يتغير تأثيره واستجابة مخرجاته حسب قوته مما يعني؛ إذا كانت الإشارة المحفزة للشبكة منخفضة للغاية، فإن المسارات التي اكتشفوها كانت منظمة ولم تنتج مخرجات معقدة بدرجة كافية لتكون مفيدة، بينما إذا طغت وارتفعت الإشارة الكهربائية على الشبكة، فسيكون الناتج فوضويا تماما وغير مجد لحل المشكلات.

وهذا الاكتشاف العلمي الجديد هو نواة مهمة لتطوير الذكاء الاصطناعي في المستقبل بما يخدم التعامل مع المعلومات وتحليلها لدعم التنمية والاقتصاد وغيرهم من الاستراتيجيات كأفضل طريق لنقل المعلومات وتحليلها كونه يسمح للشبكة بتذكر المسارات السابقة عبر النظام، وسيخدم مفترضا برمجيات التنبؤ اللغوي ومنها الجيل 3-GPT وما بعده من أجيال دعما للتعلم الآلي والعميق للشبكة العصبية، في محاولة لتخطي وتقليص الهوة التي تعاني منها الشبكات العصبية الذكية في الذكاء الاصطناعي المتمثلة في معضلة الاستقرار واللدونة «Plasticity Dilemma-Stability» كالزهايمر في الإنسان من حيث النسيان لبعض المعرفة السابقة.

zuhairaltaha@