سالم الكتبي

«أوميكرون»... ماذا بعد؟

الأربعاء - 08 ديسمبر 2021

Wed - 08 Dec 2021

يبدو أن التوقعات التي كانت تتحدث عن نهاية ما يمكن تسميته بالأمن الصحي العالمي قد انتهت إلى غير رجعة، وبدأنا عصر القلق الصحي؛ فمجرد ظهور إرهاصات على هدوء نسبي فيما يتعلق بالتهديد العالمي الناجم عن تفشي وباء «كورونا» في نسخته الأولى، التي سميت بـ «كوفيد 19» دخل العالم في نفق رعب جديد جراء انتشار «تحور» وصف بالأخطر من جانب «منظمة الصحة العالمية» وخبراء كثر، ما دفع الكثيرون للتساؤل عن تطور انتشار المتحور الجديد وفعالية اللقاحات الحالية في التصدي له، وغير ذلك من أسئلة بعضها مرتبط بالذعر الإنساني غير المبرر، وبعضها الآخر بالتهويل والمبالغات والبحث عن قصص إخبارية وإعلامية جديدة، وبعضها الثالث يرتبط بمخاوف فعلية حقيقتها أعلنتها السلطات الصحية في معظم دول العالم.

توقيت ظهور المتحور الجديد هو الأكثر إثارة للقلق في الأمر برمته كونه تزامن مع بدايات فصل الشتاء الذي يشهد انتشارا تقليديا للإنفلونزا وشقيقاتها من فيروسات هذا الفصل، ومع عدم وضوح الرؤية بالنسبة لـ «أوميكرون» وعدم تحديد أعراضه بدقة، وحدوث التباسات وارتباكات وخلط في التوصيف والتشخيص بين المتخصصين، بدا الأمر وكأنه فصل رعب جديد توشك البشرية أن تدخله.

الحقيقة أن العالم الآن غير عالم 2019، وردود الأفعال لن تكون كالتي رافقت «كوفيد-19» بأي حال ليس فقط، لأن العالم قد احتاط صحيا باللقاحات أو الإجراءات الاحترازية، ولكن لأن الخسائر التي نجمت عن القرارات والإجراءات -ولاسيما الإغلاقات الكلية- كانت باهظة للغاية على المستويات الاقتصادية والتجارية.

الحقيقة أيضا أن ظهور «أوميكرون» وانتشاره التدريجي عالميا يؤكد فعليا أن الجميع قد يدفع فاتورة الفشل في التعاون عالميا من أجل توزيع اللقاحات بشكل يضمن أمن وسلامة الشعوب كافة، فالبعض كان يحذر من خطورة التخلي عن الدول النامية وتركها لمصيرها أو الاكتفاء بمنحها حصص وكميات لا تكفي من اللقاحات، ولكن لم ينتبه أحد للدرس الأهم في انتشار «كورونا» منذ البداية، وهو صعوبة البقاء بمعزل عن خطر وباء عابر للجغرافيا بهذا الشكل.

المفيد هذه المرة أن العالم قد بات أكثر وعيا بطبيعة الخطر الجديد وكيفية تفادي الإصابة به، ولكن المعضلة تبقى في «سلوك القطيع» الذي يدفع الملايين حول العالم للاستهانة والاستخفاف بالخطر الصحي الجديد، فمع انكسار حاجز الخوف الذي رافق البدايات الأولى لكورونا، نجد أن الآلاف تتظاهر في مدن شتى حول العالم اعتراضا على إعادة فرض القيود والإجراءات الاحترازية، بل إن صوت الجماعات والحركات المناوئة للقاحات يتعالى، ويكتسب أصحاب نظرية المؤامرة أرضيات جديدة مدعومين بظهور المتحور الجديد، متخذين منه دلالة وبرهانا على أن هناك مؤامرة تسعى لإغراق شعوب العالم في موجات متلاحقة من الأوبئة! ووجدنا ما يربط اللقاح بالحريات الشخصية بغض النظر عما قد يسببونه من عدوى للآخرين. وفي مسألة تلقي اللقاحات، هناك شريحة ليست قليلة من المترددين ومن لا يستطيعون بناء رأي حاسم أو نهائي، وهؤلاء شأنهم المترددين في موضوعات أخرى مثل التصويت الانتخابي وغير ذلك، يخضعون بشكل كبير لما يتعرضون له من تأثيرات إقناعية سواء كانت صحيحة أو غير ذلك.

الخلاصة أن «أوميكرون» ربما يعطل ولو قليلا خطط التعافي العالمي من تداعيات جائحة «كورونا»، ولكنني أعتقد أن العالم قد استوعب الدرس جيدا، وأدرك أن الأنانية والخلافات التي صاحبت توزيع اللقاحات في بداية الأمر لم تفلح في حماية طرف دون آخر، بل إن الخطر الجديد قد انتقل بمجرد فتح الأجواء من دولة لأخرى! وبالتالي فإن البديل الوحيد هو الاقتناع بالفكرة التي يرددها الجميع ولا يعمل بها أحد، وهي فكرة القرية الكونية الصغيرة، التي لا يمكن حماية أحد أحيائها أو حتى أركانها أو إبقائها بمعزل تام عن أي خطر صحي أو غير ذلك، وأن الأمن العالمي، ذلك المفهوم الاصطلاحي الذي تزخر به البيانات والتصريحات الأممية هو طوق الإنقاذ الوحيد لسكان العالم أجمع شرط أن يترجم المفهوم إلى إجراءات وسياسات وقرارات ومواقف تنفيذية على أرض الواقع.

ربما أخفقت القوى الكبرى والنظام العالمي الذي يتهاوى في مواجهة قواعد اللعبة الجديدة التي أثمرت عنها جائحة «كورونا» في كسب ثقة دول العالم النامية في عدالة هذا النظام بل وفعاليته، وبالتالي يبدو الحديث عن شراكات عالمية وعن تعاون دول الجنوب تحديدا في تحقيق الأمن والاستقرار العالمي مرهون باستعادة الثقة مع الطرف الآخر من الشراكات المنشودة.

الخلاصة أن الحلم بخروج الاقتصادات من كارثة كورونا بكل تحوراتها لن يتحقق سوى من خلال تعاون عالمي فعّال، فالانتعاش الاقتصادي واستئناف التجارة وحركة السفر والأموال والاستثمارات وتعويض الخسائر الفادحة التي لحقت بغالبية الاقتصادات، لن يحدث ذلك كله ما دام العالم يدور في حلقة مفرغة من الاتهامات المتبادلة والأنانية الشعوبية المفرطة.

drsalemalketbi@