محمد العطية

تطبيق كود البناء السعودي.. وتوازن السوق

السبت - 04 ديسمبر 2021

Sat - 04 Dec 2021

أخيرا.. بتطبيق كود البناء السعوي (Saudi Building Code -SBC) للمباني السكنية (R3) نحن نتجه إلى تنظيم قطاع بيئة البناء والتشييد من خلال مواصفات تتواءم مع بيئتنا والتخلص من حقبة زمنية من الفوضى كانت تسود هذا القطاع.

تكمن أهمية الكود في أنه يشكل مرجعية فنية هندسية قانونية لتنظيم الأدوار والمسؤوليات بين الجهات المعنية بعملية البناء والتشييد، فهو يحدد مسؤولية ودور كل من المصمم والمشرف والمقاول المنفذ والمالك، كما يسهم في تحسين كفاءة المبنى وسلامته واستدامته وتخفيض تكاليف تشغيله وصيانته وترشيد استخدام المياه والطاقة من خلال مواصفات قياسية تحقق توجهات رؤية المملكة الطموحة (2030).

من المعلوم أنه يشترك في تنظيم قطاع البناء والتشييد عدة وزارات وهيئات لكل منها متطلباته واشتراطاته، فنجد الهيئة السعودية للمهندسين تشرف على المكاتب الهندسية والمهندسين ونظام ممارسة المهن الهندسية ومخالفاته، وهيئة المقاولين تشرف على المقاولين واعتمادهم، والبنك المركزي من خلال إصدار وثيقة التأمين ضد العيوب الخفية، ووزارة التجارة ممثلة في هيئة المواصفات والمقاييس من خلال إصدار الكود السعودي للبناء ولائحة مخالفاته، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من خلال توطين المهن الفنية والهندسية وأخيرا وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان من خلال إصدار تصاريح البناء ومراقبة التطبيق من خلال لجان التفتيش بمشاركة الدفاع المدني ووزارة الطاقة، ولكن كل جهة تعمل بشكل رأسي لتنفيذ مهامها وواجباتها وإقرار رسومها، بينما العمل المشترك يتطلب تعاون كل الجهات والعمل بشكل أفقي أيضا لحل الازدواجية إن وجدت والتكرار في الشروط والمتطلبات والرسوم والمخالفات لكي يكون هنالك تكامل في أعمالها مما يؤدي إلى تسهيل أعمال البناء والتشييد وحوكومتها وتحسين بيئة الأعمال لتصبح بيئة جاذبة للاستثمار وخاصة من ناحية التكلفة الكلية.

كما أن هنالك خلطا لدى البعض بين كود البناء السعودي والكود العمراني وإجراءات ومتطلبات التراخيص مما تسبب في خلق صعوبات للمقبلين على البناء، استغلها مقاومو التغيير والمستنفعون وساعد على ذلك تصدر المشهد من قبل فئة قليلة من المهندسين المسوقين مواطنين ومقيمين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي للتكسب وتسويق أنفسهم مما يتنافى مع أخلاقيات المهنة.

كما أن كثيرا من الأنظمة والتشريعات تفترض سلفا جاهزية القطاع الخاص لتنفيذ اشتراطاتها ومتطلباتها ولكن عند التطبيق تكتشف أن هذا الافتراض غير دقيق (لعدم جاهزية القطاع الخاص)، لأن هذه الافتراضات لم تُبن على دراسة ميدانية حقيقية ولم يتم تهيئة القطاع الخاص لمستوى هذه الاشتراطات والمتطلبات لا من ناحية الكوادر البشرية أو المواد وكود البناء السعودي ليس استثناء، وكردة فعل لذلك ارتفعت تكاليف المواد والأيدي العاملة، كذلك تكلفة مكاتب التصميم والإشراف الهندسية وسعر متر التنفيذ للمقاول وبالإضافة إلى قلة المواد المطابقة للكود وخاصة ما يتعلق بالعزل الحراري ناهيك عن التكاليف المستحدثة مثل تكلفة التأمين والفاحص الفني، وكل هذه التكاليف يتحملها المالك في نهاية الأمر.

إن تطبيق الكود واشتراطاته سيرفع من وتيرة التوطين في المكاتب الهندسية وسوف يضع حدا للتستر والغش التجاري ويصبح كلٌ أمام مسؤوليته، وسوف يؤدي ذلك إلى التخلص من المكاتب الهندسية الضعيفة ومكاتب الظل في الخارج والعناصر غير المؤهلة من المقيمين ومقاولي الشنطة والدخلاء على المهنة والذين يتصدرون المشهد منذ عقود، وكذلك القضاء على مقاولي الباطن المخالفين، وسوف يفتح مجالا أوسع لدخول شركات تطوير عقاري ومقاولين محترفين جدد، ولكن هذه الفترة الانتقالية سوف ترفع التكاليف الكلية لقطاع البناء والتشييد لزمن ليس بالقصير حتى يصل السوق إلى التوازن المطلوب.

ولكي تكتمل الصورة يحتاج تنظيم قطاع البناء والتشييد إلى ما يلي:

- تصميم كود عمراني لكل منطقة يتناسب مع بيئتها على غرار كود وادي حنيفة بل قد يتطلب الأمر إلى وجود أكثر من كود بالمنطقة الواحدة حسب تنوع طبيعتها البيئية ومثال على ذلك كود منطقة عسير في السراة يجب أن يختلف عن كود منطقة عسير في تهامة وعن كود منطقة عسير في الساحل.

- تصميم نماذج معمارية استرشادية مع تسعيرتها لكل كود عمراني على غرار منصة سكني.

- خلق أنماط عمرانية جديدة مثل الفناء الداخلي ومواقف السيارات داخل حدود الملكية.

- مراقبة ومتابعة سوق مواد البناء ومواصفات المنتجات ورفع معايير الجودة لحماية المستهلك.

- تصنيف مواد البناء وتحديد الأسعار الاسترشادية لمواد البناء وتنفيذ بنود الأعمال (مؤشر الأسعار).

- ضبط تأهيل وتراخيص واختصاصات العمالة الفنية والأيدي العاملة في قطاع البناء والتشييد.

- فك احتكار وتحكم بعض الجنسيات المقيمة في مواد البناء.

- إعداد سجل الكتروني لكل مبنى لدى وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان يُحدث حسب التراخيص ويكون مرجعا موثقا مرتبطا بالصك الالكتروني، وبالتالي من أراد أن يشترى لا يتطلب الأمر منه سوى مراجعة البلدية بعد تفويض المالك لكي يعرف تاريخ المبنى وما تم عليه من تعديلات وإضافات.

- تمكين الأيدي العاملة الوطنية التي لا تمثل حاليا سوى (15%) من حجم سوق قطاع المقاولات الذي يتجاوز عددهم (3) ملايين. (العدد السادس من مجلة المقاولين).

- قيام الجامعات بتضمين الكود في مناهج كليات الهندسة والعمارة؛ ليصبح الخريج جاهزا لسوق العمل.

- إعداد دورات معتمدة عن كود البناء لكل اختصاص من قبل هيئة المهندسين وهيئة المقاولين.

- قيام المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بتغطية تخصصات قطاع البناء والتشييد وزيادة البرامج وإعداد المتدربين.

- المرونة في الاستجابة لمتغيرات السوق وتطور تقنيات البناء لتحديث مواصفات الكود.

- تفعيل دور المرجعية الإدارية المركزية لكود البناء السعودي في وزارة الشؤن البلدية والقروية والإسكان من ناحية التطبيق ومعالجة جوانب التطوير والتفاعل مع المستفيد النهائي والجهات ذات العلاقة، بحيث تكون هي الجهة المرجعية أمام المواطن بدلا من تعدد الجهات واللجان التي تتحدث باسم الكود.

ولعل وزارة الشؤن البلدية والقروية والإسكان تنتهج أسلوب تصميم تجربة العميل (Design the Customer Experience) وتلبس قبعة العميل لمعالجة صعوبات رحلة العميل (المالك) عند البناء الشخصي منذ البدء والشروع في فكرة البناء حتى صدور شهادة أشغال المبنى وتتأكد أنها تجربة سهلة ومريحة وتكاليفها غير مبالغ فيها لكي تحقق رضا العميل.

خلاصة القول: إن التكلفة الكلية هي التي تعني المواطن بشكل مباشر ومهما استحدث أو عدل من تنظيمات وتشريعات يجب أن يراعى فيها التكلفة المعقولة الممكنة، ومهما سنواجه من صعوبات في بداية التطبيق فإن المحصلة النهائية لتطبيق كود البناء السعودي سوف تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وزيادة الموثوقية في منتجات البناء ويكفي المواطن أن يقول:

«البناء طبقا لكود البناء السعودي» سواء عند التعاقد مع المكتب المصمم أو المشرف الهندسي أو المقاول المنفذ أو عند البيع والشراء أو عند النزاع والتقاضي.

mattiah8@