هند علي الغامدي

شموس التغيير

السبت - 27 نوفمبر 2021

Sat - 27 Nov 2021

كم أشرقت للتغيير شموس أضاءت وجه الكون، وغيرت حياة البشرية! وأعظم تلك الشموس شمس الإسلام التي أشرقت قبل أكثر من أربعة عشر قرنا؛ لتكون التغيير الأعظم في حياة البشرية؛ التغيير الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وحررهم من عبودية البشر، والأهواء والشهوات، والعادات والتقاليد والأعراف، والأصنام.أضاء ذلك التغيير قلوبا وعقولا، لكن العقول والقلوب العمياء لم تتمكن من رؤية أنواره؛ فكذبته ورفضته وحاربته، ولم يشفع لحامل رسالته ومبلغ وحي ربه عند أولئك الرافضين صدقه وأمانته التي عرف بها قبل بعثته -صلى الله عليه وسلم-، فقاوموا التغيير الذي جاء به الإسلام بكل صلف وجهل وعناد وتكبر؛ بل كذبه المقربون من أقاربه الموقنين بصدقه، ورفضوا ترك دين آبائهم وأجدادهم، وبعضهم لم يتحملوا أن تأتي الرسالة على يديه الكريمتين -صلى الله عليه وسلم-، لسنا هنا في مقام حصر الأسباب؛ فالرفض واحد والأسباب متعددة.

ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، تستمر الدعوة المحمدية ويتحقق وعد الله، وها نحن اليوم بعد كل هذه القرون نتفيأ ظلال هذا الدين ونتنعم به دينا ودنيا؛ لم ينصفه قومه وبعض أقرب الناس إليه، وأنصفه المخلصون، وأنصفه التاريخ والعلم، وها هو اليوم يصنف القائد الأكثر تأثيرا في حياة البشرية سياسيا وعسكريا واجتماعيا ضمن تصنيف أحد الباحثين الغربيين غير المسلمين للمئة الأكثر تأثيرا في التاريخ، ولن تعجزنا الأسباب التي دعته إلى هذا الحكم.

وأشرقت شمس توحيد المملكة العربية السعودية على يد القائد البطل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-؛ ليكون ذلك هو التغيير الشجاع الذي دخلت به المملكة عهدا زاهرا ممتدا من الأمن والرخاء والرفاهية التي ينعم بها كل من يعيش على أرضها.

وأشرقت شمس العدالة والمساواة حين تخلصت البشرية من ذل التمييز العنصري على أيدي الأبطال الذين قادوا ذلك التغيير، وعلى رأسهم مارتن لوثر كينغ الذي أودع خطابه الخالد (لدي حلم) أحلامه التي تحولت فيما بعد إلى حقيقة بفضل الله، ثم بفضل صدق النوايا وقوة العزيمة والإيمان بكرامة البشر وتساويهم.

وتحرر العالم من العبودية يوم أشرقت شمس الحرية من خلال حركة إلغاء العبودية التي بدأها الرئيس أبراهام لينكولن؛ لتعم العالم بعد ذلك.

أما شموس التغيير التي أشرقت بها حياة المرأة في بلادنا فهي قصص شجاعة مع تغيير السائد، أبطالها ملوك وأمراء هذا الوطن، فمن القرار الشجاع الذي اتخذه الملك سعود -رحمه الله- بتمكينها من حقها في التعليم النظامي بعد حرمان لم يسوغه إلا العادات والأعراف والنظرة المجتمعية، إلى القرار الذي غير تاريخ المرأة السعودية التي ظلت محرومة من حق لا يمنعه عنها إلا الأسباب نفسها التي وقفت سابقا في طريق تعليمها، ليأتي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- فينتزع حقها في قيادة السيارة من بين كل تلك العقبات، ويسلمها إياه كافلا لها الحماية ضد كل رافض للتغيير ومقاوم له، حتى باتت المرأة اليوم على أرض السعودية سواء أكانت مواطنة أم مقيمة بفضل الله في غير حاجة إلى تسول السائق أو سيارات الأجرة، كان الأمر يحتاج إلى شجاعة وبصيرة ورؤية وقرار، وقد كانت ولله الحمد.

قرأت مرة قولا للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي وصاحب وزارة اللا مستحيل، يقول فيه «إنه لا مكان للأشخاص الذين يقولون «مستحيل ولا يمكن» لما يقترح من أفكار ومشروعات تطويرية، وإنه عادة ما يستبعدهم من حكومته؛ وما ذلك إلا لأنهم سيكونون حجر عثرة في وجه الإبداع والتطور»، وهذا غير مستغرب من الحاكم الذي غير وجه الإمارات إلى ماهي عليه اليوم.

قصص النجاح ثمرة من ثمرات القدرة على التغيير والقدرة على تقبل التغيير وإدارته، نتحدث هنا عن التغيير الإيجابي الذي يبشر بالخير ويستهدف رخاء الإنسان ورفاهيته وسعادته الدنيوية والأخروية، التغيير المقصود، الذي يسبقه نية صالحة، ويصاحبه عمل مخلص، ويتبعه نتيجة متوقعة ومثمرة غالبا، ولاسيما إذا كانت المقدمات مدروسة دراسة علمية وافية.

أعتقد أن النتيجة هي أكثر ما يخشاه رافضو التغيير، والمؤسف أنهم إذا كانوا أصحاب قرار فإنهم يضيعون على من اضطلعوا بحمل مسؤولياتهم فرصا للتطور والسعادة، وهناك من يرفضون التغيير ولسان حالهم ﴿بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون﴾، وهناك من يرفضونه جهلا أو خوفا أو جبنا أو عجزا أو كسلا، وبعضهم يكون مستفيدا من الوضع الحالي، والتغيير سيجعله يخسر بعض المزايا التي يوفرها له ذلك الوضع، وعلى كل حال فسنجد أولئك الرافضين في كل مكان، المقاومين للتغيير في أبسط الأمور ولأسباب مختلفة، الذين يفوتون على أنفسهم ومجتمعاتهم كثيرا من الخير الذي تحمله أنوار التغيير؛ لذلك كانت إدارة التغيير فنا يدرس، وقد لا يفيد الإقناع والتفاوض وبيان المنافع والفرص، وبيان المخاطر والتهديدات المترتبة على عدم الأخذ به، فلا بد حينئذ من المضي قدما دون انتظار استجابة أولئك المقاومين، وفي الغالب سيعجبهم ذلك بعد أن يتعودوا عليه، وقد يعترفون بأنهم كانوا مخطئين بعد رؤية نتائجه المثمرة.

ومع ذلك؛ فالتغيير ليس كله محمودا؛ فهو مذموم حين يتعلق بالعطاء وبذل الخير وصلة الرحم وإكرام الضيف وصنائع المعروف في أهلها وفي غير أهلها، وتقديم يد العون للآخرين، وإغاثة الملهوف، وطيب الكلام، وحسن الخلق؛ فهذه ثوابت لا ينبغي أن نغيرها مهما بدا لنا أن الآخرين لا يستحقون؛ فنحن نستحق، قدوتنا من أدبه ربه فأحسن تأديبه، ووصفه بأنه على خلق عظيم، وقد نهى الله أبا بكر والمؤمنين عن الإحجام عن النفقة، وأمرهم بالصفح والعفو عن عباده إن أحبوا أن يغفر الله لهم ويعفو عنهم عندما حلف أبو بكر ألا ينفق على قريبه الذي خاض في حادثة الإفك؛ فنزلت الآية الكريمة تنهاه عن ذلك التغيير: ﴿ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أَن يؤتوا أولِي القربىٰ والمساكين والمهاجرين في سَبيل اللَّه وليعفوا وليصفَحوا﴾.

شموس التغيير لا تغيب؛ لأنه سنة من سنن الكون والحياة، وإرادة إلهية مشروطة بتغير البشر وحسن أو سوء مقاصدهم ونواياهم؛ فلنبدأ بأنفسنا، ولنمضي في طريق التغيير المثمر الذي ينهض بنا كأفراد وأسر ومجتمعات وأوطان، ويعلي مكانتنا في الدنيا والآخرة، وسيكون الله معنا إن أخلصنا وصدقناه النوايا؛ فالله سبحانه وتعالى ﴿لا يغير ما بِقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾.

hindali1000@