الفلول يرفضون بقاء السودان هادئا

ترحيب دولي باتفاق البرهان وحمدوك.. وأصوات داخلية تعده «خيانة»
ترحيب دولي باتفاق البرهان وحمدوك.. وأصوات داخلية تعده «خيانة»

الاثنين - 22 نوفمبر 2021

Mon - 22 Nov 2021

فيما رحب المجتمع الدولي بالاتفاق السياسي السوداني الذي وقعه رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك، انبرت مجموعة من الفلول والأحزاب السياسية المعارضة هجوما على الاتفاق وعدوه (خيانة) وكأنهم يرفضون أن ينام السودان هادئا، وينعم بالسكينة والاستقرار.

ووضع شركاء الحكم في الخرطوم حدا للأزمة الخانقة التي عاشتها البلاد على مدار شهر كامل، بعد التفاهم على برنامج سياسي جديد، أشاع آمالا في خروج السودان من المأزق الذي تردى فيه منذ 25 أكتوبر الماضي، لكن عددا من القوى والأحزاب السياسية أيقظت الفتنة مجددا، وأعلنت رفضها للاتفاق، وأبرزها تجمع المهنيين السودانيين، الذي أكد أن «الاتفاق يخص موقعيه فقط»، واعتبره بمثابة «محاولة جديدة لقطع الطريق أمام استكمال مهام ثورة ديسمبر».

وما بين التأييد الدولي والأمل في هدوء شامل يشهده السودان يسترد من خلاله عافيته، وبين الأصوات النشاز التي تلوح بمواصلة الاحتجاجات، يبقى «اتفاق الفرقاء» تحت الاختبار وفي مواجهة تحديات عاصفة.

تأييد دولي

حظي الاتفاق بترحيب دولي وإقليمي واسع، ورحبت الخارجية السعودية بما توصلت إليه أطراف المرحلة الانتقالية في السودان، مشددة على ثبات واستمرار موقف المملكة الداعم لـ»كل ما من شأنه تحقيق السلام وصون الأمن والاستقرار والنماء في جمهورية السودان الشقيقة»، والأمر نفسه أعلنته مصر التي أشادت بـ»الحكمة والمسؤولية التي تحلت بها الأطراف السودانية في التوصل إلى توافق حول إنجاح الفترة الانتقالية بما يخدم مصالح السودان العليا»، وأبدت الإمارات والكويت وعدد من الدول العربية ترحيبها بالاتفاق.

وكتب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عبر «تويتر»: شجعتني التقارير التي تفيد بأن المحادثات في الخرطوم ستؤدي إلى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وإعادة رئيس الوزراء حمدوك إلى منصبه، ورفع حالة الطوارئ واستئناف التنسيق.

وحث بلينكن كل الأطراف السودانية على إجراء مزيد من المحادثات ومضاعفة الجهود لإكمال المهام الانتقالية المحورية بقيادة مدنية على الطريق إلى الديمقراطية في السودان، وأضاف «أكرر دعوتنا لقوات الأمن إلى الامتناع عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين».

خطوات حاسمة

واعتبرت دول الترويكا (النرويج وبريطانيا والولايات المتحدة) والاتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا الاتفاق خطوة حاسمة نحو الديمقراطية في السودان، وأشادت في بيان مشترك بالاتفاق على إعادة حمدوك إلى منصبه رئيسا للوزراء.

وقالت في بيان «لقد تحمسنا بتجديد الالتزام بالإعلان الدستوري لعام 2019 كأساس لعملية الانتقال نحو الديمقراطية، ونرحب بالإفراج عن الدكتور حمدوك من الإقامة الجبرية، لكننا نحث على الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين الآخرين، ليس فقط في الخرطوم ولكن في جميع أنحاء البلاد.

هذه كلها خطوات أولى حاسمة نحو استعادة الانتقال والنظام الدستوري وسيادة القانون في السودان».

وعبر البيان عن أسف الموقعين عليه وإدانتهم «للخسائر في الأرواح وأعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت منذ 25 أكتوبر»، ورحب «بالالتزام بالتحقيق في الوفيات والإصابات بين المتظاهرين».

وأشار مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عبر «تويتر» إلى أن إعادة حمدوك إلى منصبه تعتبر «الخطوة الأولى لإعادة العملية الانتقالية إلى المسار الصحيح».

حماية الدستور

وشددت البعثة الأممية بالسودان «اليونيتامس» على ضرورة حماية النظام الدستوري للحفاظ على الحريات الأساسية للعمل السياسي وحرية التعبير والتجمع السلمي مرحبة في الوقت نفسه بالاتفاق. وذكر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي أن الاتفاق السياسي الجديد يمثل خطوة مهمة يمكن البناء عليها، ودعا المجتمع الدولي إلى تجديد تضامنه مع السودان لتعزيز السلم والتحضير الديمقراطي الجامع لانتخابات حرة وسليمة.

ورحبت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية «إيقاد»، وهي منظمة شبه إقليمية في أفريقيا، بالاتفاق السياسي في السودان، وأعربت عن الأمل بأن يؤدي ذلك إلى تشكيل حكومة شاملة، مؤكدة استعداد الهيئة للعمل مع الحكومة الجديدة في تنفيذ هذه الاتفاقية وفي جهودها لخدمة الشعب وبناء سودان ديمقراطي جديد.

تسوية رخيصة

في المقابل، دعا عدد من التيارات السياسية الداخلية في السودان إلى استمرار ما سمته بـ»المقاومة السلمية والمظاهرات» لإسقاط ما وصفوه بـ»التسوية الرخيصة».

وقال تجمع المهنيين السودانيين، في بيانه، إنه يرفض اتفاق «البرهان وحمدوك جملة وتفصيلا»، وإنه اتفاق «لا يخص سوى أطرافه»، واعتبر أن الاتفاق «مجرد محاولة باطلة لشرعنة الانقلاب الأخير وسلطة المجلس العسكري، وانتحار سياسي للدكتور عبدالله حمدوك»، وفق نص البيان، ودعا التجمع إلى «مواصلة المظاهرات السلمية ببناء قواعده المقاوِمة في لجان الأحياء والكيانات النقابية».

من جانبه، قال الحزب الشيوعي السوداني، إن المبادرة الوطنية الجامعة التي قادت للاتفاق السياسي «لا تعدو كونها محاولة أخرى لقطع الطريق أمام استكمال مهام الثورة وقيام الدولة المدنية الديمقراطية التي دفع كلفتها شعبنا الباسل أرواحا عزيزة ومناضلات عظيمات».

وأعلن رفضه للاتفاق الذي قال إنه «يعزز سلطة العسكر ويعيد شراكة الدم على الرغم مما ارتكب من قتل وترويع منذ 25 أكتوبر وحتى مجزرة 17 نوفمبر، خلال الاحتجاجات المستمرة».

ماذا يحمل اتفاق الشراكة السوداني؟

  • التأكيد على أن الوثيقة الدستورية هي المرجعية لاستكمال الفترة الانتقالية مع مراعاة الوضعية الخاصة بشرق السودان.

  • ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية بما يضمن مشاركة شاملة لكل مكونات المجتمع عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول.

  • إنفاذ الشراكة بروح وثقة مع الالتزام التام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة (تكنوقراط).

  • يكون مجلس السيادة الانتقالي مشرفا على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي.

  • ضمان انتقال السلطة الانتقالية في موعدها المحدد لحكومة مدنية منتخبة.

  • إدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى الوطنية (السياسية والمدنية) والمكون العسكري.

  • العمل على بناء جيش قومي موحد.

  • التحقيق في الأحداث التي جرت أثناء التظاهرات من إصابات ووفيات للمدنيين والعسكريين وتقديم الجناة للمحاكمة.

  • تنفيذ اتفاق سلام جوبا واستكمال الاستحقاقات الناشئة بموجبه وإلحاق غير الموقعين على اتفاق السلام.

  • الإسراع في استكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي وبتكوين المجلس التشريعي والأجهزة العدلية.

  • ابتدار حوار موسع وشفاف بين كل القوى السياسية والمجتمعية وقوى الثورة الحية يؤسس لقيام المؤتمر الدستوري.

  • ضرورة إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام 30 يونيو مع مراجعة أدائها في الفترة السابقة، مع رفدها بالكوادر المؤهلة.

  • إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين.

  • إلغاء قرار القائد العام للقوات المسلحة بإعفاء رئيس مجلس الوزراء الانتقالي.


تطلعات الثورة

ورفضت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور الاتفاق بشدة، واعتبر رئيس الحركة في بيان له، أن «الاتفاق شرعنة للانقلاب وردة عن أهداف وشعارات ثورة ديسمبر المجيدة»، وأشار إلى أن «حمدوك قد فوضه الشعب السوداني ليكون رئيس وزراء لبرنامج انتقالي يقود السودان نحو تحقيق أهداف الثورة».

وأعلن حزب البعث العربي الاشتراكي رفضه للاتفاق، وقال «بهذه الخطوة يكون طرفا الاتفاق قد دخلا في مواجهة مع الجماهير التي أنجزت الثورة».

وكان حزب الأمة القومي أصدر بيانا قبل إبرام الاتفاق، أكد خلاله رفضه لأي اتفاق سياسي «لا يخاطب جذور الأزمة التي أنتجتها قرارات قائد الجيش وتداعياتها من قتل المتظاهرين والذي يستوجب المحاسبة».

وقال الحزب الذي كان يقوده السياسي المخضرم الراحل الصادق المهدي «إنه لن يكون طرفا في أي اتفاق لا يلبي تطلعات الثوار والشعب السوداني قاطبة».

أما حزب المؤتمر السوداني، أحد أبرز مكونات المجلس المركزي للحرية والتغيير، الشريك المدني السابق في الحكم الانتقالي، فأبدى أيضا رفضه القاطع للاتفاق السياسي بين حمدوك والبرهان.

خيانة كبرى

وجاء الاتفاق بعد توترات سياسية شهدتها البلاد عقب قرارات قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، في 25 أكتوبر الماضي، والتي قضت يومها بحل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حالة الطوارئ، ونتج عن الاحتجاجات الغاضبة على قرارات البرهان 40 قتيلا من المدنيين، وفق لجنة أطباء السودان المركزية.

وقال المحلل عيدروس عبدالعزيز أن الاتفاق فشل في الحصول على إجماع كامل، ووصفته بعض القوى السياسية بالخيانة الكبرى، والمرفوض جملة وتفصيلا، رغم تأكيد رئيس الوزراء أنه من أجل «حقن دماء السودانيين وسيكون حصنا للفترة الانتقالية».

ورأى أن إطلاق يد حمدوك «لتشكيل حكومة مدنية من تكنوقراط مستقلين، دون تدخل من المكون العسكري، تعد نقطة إيجابية، كما أن الاتفاق على تكوين المجلس التشريعي من 40% من شباب الثورة هو ضمانة جديدة لثورة ديسمبر ومساراتها المختلفة، وقد يكون مبعث طمأنينة للشارع المشتعل».