قوانين مع وقف التنفيذ

في 2013 وخلال رحلتنا إلى الولايات المتحدة كنا نستعد للالتقاء بأحد الأصدقاء من أبناء المدينة المنورة والذي انتقل للعيش والعمل هناك، كان موعده معنا يوم الأحد بعد اتصالنا به بثلاثة أيام، واستغربنا عدم استعجاله بالحضور رغم حرصه على لقائنا، وفي يوم الأحد وصل إلى مدينة (فورت لودرديل) إحدى مدن ولاية فلوريدا، طبعا الفضول الصحفي جعلني أسأله لماذا تأخرت ثلاثة أيام رغم حرصك، أخبرنا أنه يمتلك شاحنة لنقل البضائع بين الولايات، وأنه عندما تواصل معنا كان في طريقه لإيصال البضائع لإحدى المدن التي تبعد مسافة 1000 كلم عن المدينة التي نحن فيها وهو ما يستغرقه السير لثلاثة أيام.

أمام استغرابنا من طول المدة لقطع هذه المسافة التي يمكن قطعها في عشر ساعات إذا ما حسبنا السرعة 100/ للساعة، فسر لنا أبوحمزة سبب التأخير بأن النظام هناك شديد وحريص على حفظ سلامة السائق ومستخدمي الطريق، من خلال ضبط النظام بعدد من القوانين الصارمة ولائحة عقوبات لا يستهان بها.

يقول أبوحمزة «إنه قبل أن يستقل طريق الرحلة عليه أن يتوقف في مركز التفتيش لوزن الحمولة والتأكد منها وهو أمر عادي، ولكن الغريب عندما أخبرنا أنه ملزم بإجراء فحص متكرر للتأكد من عدم تناوله أي مخدرات خلال رحلته»، وأضاف «نحن ملزمون بالسير خلال ساعات النهار فقط ولمدة 8 ساعات، يتوقف بعدها سائق الشاحنة للنوم مدة 8 ساعات أيضا، ويمكن السماح لهم بالاستمرار بالسير في حال تبديل القيادة مع سائق آخر».

وليس ذلك فقط بل إن السلطات المسؤولة تقوم بمتابعة رحلة سير الشاحنة من خلال GPS وحساب مدة سير الشاحنة منذ تحركها حتى وصولها وحساب سرعتها بناء على قياس المسافة المقطوعة ومدة السير بحيث لا تتجاوز سرعتها 80 كلم/ ساعة، كذلك حساب نقاط التوقف خلال الرحلة؛ فالسائق ملزم بالتوقف لنيل قسط من الراحة على فترات متكررة خلال الرحلة، وفي حال وصل للنقطة الأخيرة قبل الموعد المحدد بناء على الحسابات السابقة يتم تحرير المخالفة.

قوانين صارمة وشديدة وربما يراها البعض متعسفة، ولكنها حفظت -بعد الله- سلامة السائق ومستخدمين الطريق، تلك القوانين مرت بذاكرتي مع حادث شاحنة المدينة المنورة، الذي تجاوز السرعة المحددة وربما استمر بالسير لمسافات كبيرة دون راحة وهو ما استدعاه لاستخدام المنبهات أو المخدرات حسب ما ذكر، وبالتغاضي عن حالة هذه الشاحنة التي تعرضت لعطل في المكابح، يأتي السؤال الأهم وهو لماذا يتم السماح للشاحنات بدخول المدينة في ساعات الذروة!! بالرجوع لشاحنة أبوحمزة فقد أخبرنا أنه قد يتعرض للغرامة وربما لمصادرة الشاحنة في حال دخل المدينة بشاحنته خلال وقت الذروة، فمع أنه يستطيع دخول المدينة في النهار إلا أنه خلال أوقات الذروة والازدحام يتم تحويلهم إلى مسارات خاصة حول المدن.

أبوحمزة كان ملتزما بالقوانين والنظام ولم يكن قلقا بهذا الخصوص، فهو لم يحصل على رخصة قيادة الشاحنات والسماح له بنقل البضائع بين المدن إلا بعد التأكد من حصوله على الرخصة المناسبة لوزن شاحنته ونوعها بعد خضوعه لتدريب على قيادتها لا يقل عن 40 ساعة، وإجراء الفحص الطبي للتأكد من سلامته الصحية.

ولكنه كان قلقا بسبب عدم وجود موقف يسمح بإيقاف الشاحنة فيه خلال مدة إقامته في تلك المدينة، فهو ملزم بإيقافها في مواقف خاصة بالشاحنات حسب حجمها أو استئجار موقف يسمح فيه للشاحنات بالتوقف، ربما تعجبنا وقتها من قلقه من ذلك وحرصه على الالتزام بالقوانين ولكن مع تكرر حوادث الشاحنات لدينا فإن مثل تلك الأنظمة ستسهم بالتأكيد في حفظ السلامة والإقلال من الحوادث التي تسببها العشوائية والاستهتار.

إن وجود الأنظمة ليس هو المطلب الوحيد بل تطبيقها على أرض الواقع وبصرامة، خصوصا ما يتعلق بسلامة أرواح الآخرين، فإهمال تطبيق تلك الأنظمة سيؤدي حتما إلى تعريض حياة الأبرياء الغافلين للخطر.

@Eynasalmokalfi