عبدالحليم البراك

لماذا لا أكمل الحوار؟!

الاثنين - 25 أكتوبر 2021

Mon - 25 Oct 2021

«الحوار هو شغف الحديث بين الأصدقاء، والذي يبدأ برغبة عارمة، ينتهي بدهشة متبادلة» وإن لم يكن في الحوار شغف أو انتهى الحوار بلا دهشة؛ فلا قيمة للحوار وحري به أن ينتهي، وحري بك أن تئد هذا الحوار قبل أن يولد، لكن متى لا أكمل الحوار ومتى يكون حواري ميتا لا فائدة فيه؟ إليكم اللحظات التي يكون حواري فيها ميتا:

- لا أكمل الحوار عندما يكون حوارنا مداره التأييد المطلق؛ فكل فكرة فيه يواجهها الآخر بـ (نعم، وصحيح، وأتفق معك مائة في المائة)؛ لأن الأصل في الحوار هو الاختلاف والبحث عن الحقيقة، أما التأييد فإن مداره على الصمت أحيانا ورفع الحواجب ورفع الإصبع الإبهام وكفى بهما إشارة! فلا حوار مع من هو صيغة أخرى لي، فأنا أحاور ندا لا تلميذا وأتبادل الحديث مع إنسان لا شبحا، وأبادل وأجادل مع من يفهمني لا من يحفظ مني!

- لا أكمل الحوار إن كان ثمة ضحكة داخلية تختفي في «نفسية» المحاور معه، فبعضهم قبل الحوار هدفه السخرية، وأثناء الحوار التقاط الجمل المستهدفة بالسخرية وآخر الحوار يفصح عن الإنسان الساخر من الإنسان، فيصبح الحوار أوله كلام وآخره عداوة! وحوار مع من له نصف ابتسامة خبيثة في الحوار فتلك الابتسامات الخبيثة تنم عن روح خبيثة لا تناسبني ولا أناسبها!

- لا أكمل الحوار إن صاحب الحوار كلمات جاءت لتجبرني على الالتزام، فهبطت علي بصيغة «علمت فالزم» أو بصيغة «هذا هو الحق» أو بصيغة «أكمل حديثك لكن الحسم هو ...» فلا حوار مع المؤدلجين والشموليين الذي ينصت إليك لتنصت إليه لاحقا حتى يحشو ذهنك وعقلك بما يريد مغلقا عقله عما تريد.

- لا أكمل الحوار إن كان الحوار فاسدا من أصله، فبعض الحوارات أصلها فاسد، فالحوار عن ظلم الناس وإيذاء وتأديب الآخرين فإن الحوار هنا خطط مؤذية أكثر من كونه

حوار الأصدقاء!

- لا أكمل الحوار إن كانت عيني صاحبي تشيء بالتصنيف، فمجمل كلام عينيه، أكمل حديثك حتى أعرفك، وأتمم حديثك حتى أعرف مع من أنت! وأكمل كلامك حتى أعرف إلى أي فكر ضال -في نظره- تنتمي!

- لا أكمل الحوار أيضا مع من لا يقدر الإنسان، فنصف حياتنا تماما هي تقدير الإنسان للإنسان، فإن انعدم التقدير فلا قيمة للحوار حينئذ.

- لا أكمل الحوار دون إنصات لي، فالذي يتحدث ويقاطع هو من جاء ليفسد الأفكار لا لتنميتها في عقلي، فلا شأن لي به، ولا حوار معه أصلا.

- لا أكمل الحوار أيضا من يقاطع حواري معه أدنى شيء يشغل باله فإن قال طفله الصغير كلمة عابرة انسحب من الحديث من أجل أطفاله يستظرف الحديث معهم دون إلقاء وزن للرجل الجالس بين يديه، فنعرف حبك لأطفالك لكن ضع كل أمر من أمورك، وإن رن هاتفه أو جاءه إشعار رسالة صارت أهم من حديثي إليه، فحاور هاتفك قبل حواري معك واستمتع به!

- لا أكمل الحوار مع ذلك الذي لا يريدني إلا لحواراته فقط، أما حواراتي فلا تهمه، فيريد الجدل والنقاش فيما يخصه، أما ما يخصني فإنه عشرات الأسباب تشغله عني أو لا تقلى اهتمامه!

- لا أكمل حواري مع أحمق، فإن الأحمق يسابقك في الحديث، ويقاطعك في الفكرة، ويسرق منك أفكارك، ويخلط الأقوال فيما بينها ويسابقك على ما يريد متجاهلا رغبتك، بل ربما أخذ كلامك وفهمه بحماقة بخطأ لا يغتفر، فنحب الحمقى لكن لا نقربهم ولا نتعامل معهم!

والخلاصة، نحب الأصدقاء ونحاور من لديهم إنصات وتقدير، يقاسمونك أقل الوقت لكن أجمله، وأقل الحوارات لكن أنفعها وأجداها، ومعهم وفيهم خلاصة الحياة والصحبة!

Halemalbaarrak@