متلازمة الانتقاد القهري
الأربعاء - 20 أكتوبر 2021
Wed - 20 Oct 2021
لا يخلو الأمر من أن تجده أو تجدها هو أو هي ممن يمارسون عادات الداء العضال بسوء الأفعال وتحديدا في لقاءات المجالس للمقربين؛ على المستوى العائلي أو بين الأصدقاء أو في دائرة العمل، وكذلك على المنصات الافتراضية من خلال تطبيقات الأجهزة الذكية مثل مجموعات الواتس اب أو التويتر، إلا وتظهر شخصية المنتقد التي أسميها «شرطي المجالس»، والذي يتقمص هذا الدور من خلال سلوكيات التفتيش والتنبيش والتفحيص والتمحيص على كل شاردة وواردة من الهفوات والغلطات العفوية لدى الآخرين بالتعقيب عليهم بشكل متكرر والوقوف عندهم بأسلوب جائر ومؤثر وهذا هو الانتقاد السلبي.
الانتقاد إيجابي في أصله كما يراه المتخصصون من اللغويين ويرجع إلى مصدره كلمة النقد وتعني بيان عيوب الشيء؛ والنقد في أصله هو طريقة النقر أي الدق بشيء حاد، فالطائر ينقد الفخ بمنقاده أي بمنقاره وينقد البذر والبسر، ويأتي النقد أيضا على شكل الضرب بالإصبع على السطح الصلب، ويقال قديما فلان نقد الدراهم المعدنية أي نقرها لتنقيتها بإبعاد الصالح عن الطالح.
في رأيي السلوكي أن متلازمة الانتقاد القهري مؤذية ومنفرة للآخرين وتسبب لهم الألم النفسي والانزعاج المجتمعي؛ والشخصية كثيرة الانتقاد تلجأ لهذا السلوك كأحد وسائل الدفاع النفسي في اللاشعور العميق والذي يتعزز بسبب الإحساس بالغرور أو الدونية في الشعور وكلاهما يؤثران سلبا في الطرح التهكمي بالسخرية أو الهجومي بالتنمر؛ وفي النوع الأول يزداد العجب الذاتي فوق حده الطبيعي من خلال النظرة المشوهة للأنا الذاتية لدى شخص ممن ازداد اطلاعه وإتقانه ومعرفته لأمر ما وينكر على الآخر فهمه وإدراكه لذلك الأمر ويكتفى برأيه الأوحد فيتنامى شعور المعرفة الوهمية الذي يدفعه للبحث عن الفراغات في السقطات لملئها بطريقة الانتقاد اللفظي بالأسلوب التعسفي بزعمه أنها تصحيح له.
الشعور بالدونية في النوع الثاني هو أسوأ حالا من النوع الأول؛ لأن أساسه الإحساس بنقص الثقة وربما انعدامها في الشخصية، ويبدأ في تتبع أصحاب الحوارات والنقاشات وسقطاتهم بإنكار الصح وتصحيح المنكر والنيل من أصحاب الرأي والثقافة والفكر والرد عليهم بكل استخفاف وتندر لمحاولة سحبهم إلى دائرته الضبابية بإطلاق النكات والضحكات وتحويل موقف الجد إلى الهزل والعكس، واللجوء إلى شخصنة الأمور بإطلاق السلوكيات العنصرية ورفع الصوت بلا استحياء ولا خجل؛ جميع تلك السلوكيات يظهرها لمداراة عيب النقص العميق للشخصية فيسقطه بأسلوب الهجوم وتصيد الأخطاء.
المتلازمة الانتقادية بشقيها نواجهها أحيانا في حياتنا اليومية العامة ولكن البعد عنها والسلامة منها يكمنان في مصدرنا التشريعي الأول للمحافظة على صحتنا النفسية والمجتمعية بقوله تعالى «وأعرض عن الجاهلين» والمقصود بالجهل هنا الجهل السلوكي اللفظي والفعلي المتعمد المسبب للأذى المعنوي؛ وفي آية أخرى أمرنا تعالى بانتقاء الكلمات «وقولوا للناس حُسنا»؛ وكذلك في مصدرنا التشريعي الثاني بقوله عليه الصلاة والسلام «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا»؛ الترفع عن سفاسف الأمور منهج تشريعي ناجع لمواجهة أصحاب هذه المتلازمة الانتقادية لأن النفس البشرية بفطرتها تتعفف عن الخوض فيما يرهقها ويشقيها.
الهدف الرئيس للنقد في أساسه البناء والارتقاء المعرفي وربما لإحداث التقييم والتقويم بالإذن المعطى مسبقا للإفصاح عن مكامن التحسين والتغيير قولا وعملا، كما قال عمر بن الخطاب «رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي»، بشرط إذا امتلكنا فعليا حق التصحيح وليس فقط الوقوف على عثرات الآخرين؛ كما قال الشاعر «عليك بنفسك فتش عن معايبها وخل عن عثرات الناس للناس».
@Yos123Omar
الانتقاد إيجابي في أصله كما يراه المتخصصون من اللغويين ويرجع إلى مصدره كلمة النقد وتعني بيان عيوب الشيء؛ والنقد في أصله هو طريقة النقر أي الدق بشيء حاد، فالطائر ينقد الفخ بمنقاده أي بمنقاره وينقد البذر والبسر، ويأتي النقد أيضا على شكل الضرب بالإصبع على السطح الصلب، ويقال قديما فلان نقد الدراهم المعدنية أي نقرها لتنقيتها بإبعاد الصالح عن الطالح.
في رأيي السلوكي أن متلازمة الانتقاد القهري مؤذية ومنفرة للآخرين وتسبب لهم الألم النفسي والانزعاج المجتمعي؛ والشخصية كثيرة الانتقاد تلجأ لهذا السلوك كأحد وسائل الدفاع النفسي في اللاشعور العميق والذي يتعزز بسبب الإحساس بالغرور أو الدونية في الشعور وكلاهما يؤثران سلبا في الطرح التهكمي بالسخرية أو الهجومي بالتنمر؛ وفي النوع الأول يزداد العجب الذاتي فوق حده الطبيعي من خلال النظرة المشوهة للأنا الذاتية لدى شخص ممن ازداد اطلاعه وإتقانه ومعرفته لأمر ما وينكر على الآخر فهمه وإدراكه لذلك الأمر ويكتفى برأيه الأوحد فيتنامى شعور المعرفة الوهمية الذي يدفعه للبحث عن الفراغات في السقطات لملئها بطريقة الانتقاد اللفظي بالأسلوب التعسفي بزعمه أنها تصحيح له.
الشعور بالدونية في النوع الثاني هو أسوأ حالا من النوع الأول؛ لأن أساسه الإحساس بنقص الثقة وربما انعدامها في الشخصية، ويبدأ في تتبع أصحاب الحوارات والنقاشات وسقطاتهم بإنكار الصح وتصحيح المنكر والنيل من أصحاب الرأي والثقافة والفكر والرد عليهم بكل استخفاف وتندر لمحاولة سحبهم إلى دائرته الضبابية بإطلاق النكات والضحكات وتحويل موقف الجد إلى الهزل والعكس، واللجوء إلى شخصنة الأمور بإطلاق السلوكيات العنصرية ورفع الصوت بلا استحياء ولا خجل؛ جميع تلك السلوكيات يظهرها لمداراة عيب النقص العميق للشخصية فيسقطه بأسلوب الهجوم وتصيد الأخطاء.
المتلازمة الانتقادية بشقيها نواجهها أحيانا في حياتنا اليومية العامة ولكن البعد عنها والسلامة منها يكمنان في مصدرنا التشريعي الأول للمحافظة على صحتنا النفسية والمجتمعية بقوله تعالى «وأعرض عن الجاهلين» والمقصود بالجهل هنا الجهل السلوكي اللفظي والفعلي المتعمد المسبب للأذى المعنوي؛ وفي آية أخرى أمرنا تعالى بانتقاء الكلمات «وقولوا للناس حُسنا»؛ وكذلك في مصدرنا التشريعي الثاني بقوله عليه الصلاة والسلام «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا»؛ الترفع عن سفاسف الأمور منهج تشريعي ناجع لمواجهة أصحاب هذه المتلازمة الانتقادية لأن النفس البشرية بفطرتها تتعفف عن الخوض فيما يرهقها ويشقيها.
الهدف الرئيس للنقد في أساسه البناء والارتقاء المعرفي وربما لإحداث التقييم والتقويم بالإذن المعطى مسبقا للإفصاح عن مكامن التحسين والتغيير قولا وعملا، كما قال عمر بن الخطاب «رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي»، بشرط إذا امتلكنا فعليا حق التصحيح وليس فقط الوقوف على عثرات الآخرين؛ كما قال الشاعر «عليك بنفسك فتش عن معايبها وخل عن عثرات الناس للناس».
@Yos123Omar