وليد الزامل

منظومة إدارية على طريقة الزواحف الصحراوية!

السبت - 02 أكتوبر 2021

Sat - 02 Oct 2021

عاد من عمله وهو مرهق للغاية فقد عمل لمدة تزيد عن 9 ساعات متواصلة من الساعة 8 صباحا حتى الساعة 5 مساء رغم أن مدة عمله الرسمي تنتهي الساعة 2:30 مساء، هو موظف ومسؤول في إحدى المؤسسات ويعتقد أنه عصامي ويعمل بإخلاص فهو يشقى؛ بل ويستهلك ساعات عمل إضافية دون مرتب إضافي أو مكافآت ويعود إلى منزله ويلقي جسده النحيل على الفراش ليخلد في نوم عميق، برنامج عمله يبدأ من الساعة 8 صباحا، حيث يقرأ مسودات وثيقة أعمال الموظفين التي تم اعتمادها قبل شهرين، ويراجع سجلات الحضور، ويدقق في استمارات غير هامة، ويوبخ الموظفين.

يمسك قلمه تارة بيده اليمنى ويضعه أحيانا في فمه مستغرقا في التفكير، ويفرك رأسه بيده اليسرى عله يجد حلولا خلاقة واستراتيجيات تنهض بمنظومة العمل، يتحدث كثيرا ويستنزف طاقته وطاقة زملائه بالكلام والثرثرة دون إنتاج حقيقي، عشوائي ويضع مجموعة من القرارات الارتجالية مبنية على الشخصنة؛ ويحاسب الموظفين على أقل الأخطاء؛ في حين يترك القضايا الكبيرة دون معالجة! يقضي جل وقته في اجتماعات متوالية ونقاشات عقيمة ولا يوجد لديه وقت حتى لتناول وجبه الإفطار.

جدول (الألعاب) عفوا أقصد (الأعمال) يبدأ باجتماع مع وفد من «جمعية أصدقاء الزواحف الصحراوية» لمناقشة موضوع «آليات الحفاظ على بيض الضبان في المناطق الصحراوية وأثر ذلك في تقليل مستويات الاحتباس الحراري في كوكب الأرض»، يبدأ الاجتماع دون أجندة واضحة وتسرد المواضيع بشكل عشوائي وتتمحور المناقشات ما بين مؤيد لصيد الضبان وفق ضوابط معينة، ومعارض لأن الصيد يقلل من مخزون البيض، تحتد درجة النقاش ولاسيما أن بعض الأعضاء لديهم رغبة في تأكيد موقفهم الصارم تجاه الحفاظ على بيض الضبان وتحقيق مستويات عالية من الوعي المجتمعي، فالقضية هي قضية مبدأ لا يمكن التنازل عنه لينتهي الاجتماع كالعادة «حرق أعصاب دون نتيجة»، يمتد هذا الاجتماع غالبا حتى الساعة الواحدة ظهرا، وفي الجانب الآخر، ينتظر المراجعون نهاية اجتماع (البيض) على أحر من الجمر ليس لمعرفة نتائجه التي لا تهم أحد على وجه كوكب الأرض؛ بل لإنهاء معاملاتهم ومصالحهم التي تعطلت بسببه.

أما في الساعة 2 ظهرا فيبدأ اجتماع آخر مع وفد زائر من الرحالة المغتربين في جزر الكاريبي ليناقش أحوالهم والمشاكل التي عانوا منها خلال تجربة العيش في ظروف شبه استوائية امتدت قرابة 3 شهور، ويطلب من الموظفين كتابة تقرير عن هذا الاجتماع الذي لا فائدة منه، ومناقشة نتائجه ثم عرضه على لجنة من الخبراء لتقييمه وبحث إمكانية تكرار التجربة لاعتماد الميزانيات.

أما في الساعة 4 عصرا فقد حشد الموظفون جهودهم وبتكليف مباشر منه على مدار أسبوعين للتجهيز لحفل توقيع اتفاقية شراكة مع جمعية «أصدقاء الزواحف الأليفة»، وبالمناسبة أفراد هذه الجمعية كانوا يعملون سابقا في جمعية «أصدقاء الزواحف الصحراوية» ولكنهم تخاصموا مع بعض ليؤسسوا جمعية مستقلة بالمسمى الجديد فقط لإغاظة الجمعية السابقة! على أي حال يتخلل هذه الاتفاقية توزيع الهدايا والدروع التذكارية، ثم حفل غداء يحضره منسوبو الإدارة والموظفون؛ ليعود المدير إلى منزله وقد أنهكه التعب وبلغ مبلغه.

ختاما، المشكلة ليست هنا؛ المشكلة أن هذا المدير يعتقد أنه يعمل ويتعب، ويعيش دور البطل الهمام؛ في حين أنه يضيع وقته وجهده وموارد مؤسسته في أعمال ليست بأعمال، وقضايا ليست بقضايا، وتحديات ليست بتحديات؛ إنه يترك عمله الرئيس ليضيع وقته في اجتماعات ونقاشات غير مجدية ومواضيع هامشية لا تستحق أدنى اهتمام.

@waleed_zm