هند علي الغامدي

شكرا رواد التطوع اللغوي

الأربعاء - 29 سبتمبر 2021

Wed - 29 Sep 2021

تعد الجهود التي بذلها اللغويون والنحاة الأوائل في تقعيد لغة القرآن الكريم أكبر مثال للتطوع اللغوي؛ بل إنها أعظم تطوع لغوي قدم للغة العربية واللسان العربي، «التطوع اللغوي» هذا المصطلح الذي ابتكره الدكتور عبد الله البريدي في كتاب «إطار نظري وتطبيقي للتطوع اللغوي في مجال خدمة اللغة العربية» الصادر عن مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية، وهو أول مؤلف في هذا الشأن.

يشير هذا المصطلح إلى الجهود غير الرسمية التي تبذل في خدمة اللغة العربية تطوعا. إن ما قدمه اللغويون والنحاة الأوائل -على تنوع مستوياته- خدمة للغة العربية هو الأول في تاريخها الحقيقي، وبغض النظر عن صحة الروايات التي تروى، وحقيقة نسبة جهودهم إليهم أو إلى غيرهم، وبغض النظر أيضا عن عدالة الاتهامات المنسوبة إليهم وعلى رأسها المعيارية؛ بغض النظر عن ذلك كله وغيره؛ فلا أعتقد أن جهدا يكافئ جهد أولئك العلماء واللغويين والنحاة الذين وضعوا قواعد اللغة العربية ابتداء والتي حفظتها إلى اليوم بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنا؛ لنستطيع أن نتحدث اللغة العربية اليوم كما تحدثها الأوائل على مستوى النحو والصرف والأصوات والدلالة، ولنستطيع أن نفهم القرآن الكريم بعد هذه القرون كلها كما لو أنه أنزل علينا.

ولو تخيلنا فقط أن هذه اللغة لم تقعد؛ فكيف سيكون وضعنا اللغوي العربي على كافة المستويات والأصعدة اليوم؟! ولا يعني تنصل البعض من لغته أو استبداله لغة أخرى أو بعض لغة بلغته بعضها أو كلها أن ذلك غير صحيح، فالقاعدة هي أن اللغة العربية محفوظة بحفظ الله لها من خلال تكفل الله -جل في علاه- بحفظ القرآن الكريم أولا، ثم من خلال تمكينه -سبحانه وتعالى- أولئك العلماء واللغويين والنحاة الأوائل من أسباب ذلك الحفظ بالتقعيد لها على المستويات جميعها، هذه القاعدة الثابتة، أما ما يحدث من استبدال حروف أو كلمات أو عبارات أو حتى لغة أخرى بها؛ فهو الشاذ الذي لا يقاس عليه ولا تنتفي القاعدة به، ولا ينافي القاعدة تقبل اللغة العربية كلمات من لغات أخرى تعبر عن معان ليست لدى العرب، ولا أدل على ذلك من ورود تلك الكلمات التي صنفها اللغويون ضمن قائمة الدخيل والمعرب في القرآن الكريم، وذوبانها في العربية حتى صارت منها، إضافة إلى كتبهم التي وصلت إلينا في المعرب والدخيل وحوتها المعاجم اللغوية، فاللغة العربية لغة حية تتأثر وتؤثر، تستورد وتصدر، ولا يضيرها ذلك ضمن حدوده وضوابطه، ولكن الذي يضيرها هو فقدها الأمن على ألسنة أبنائها، وما هذه الصحوة التي تمر بها العربية في وقتنا هذا عالميا وعربيا بشكل عام، وعلى أرض هذه البلاد الطاهرة مهبط الوحي ومهد الرسالة المحمدية بشكل خاص، إلا امتداد لتلك الجهود الأولى وما تلاها في خدمة العربية مع اختلاف الأسباب والظروف.

ولعل جولة في ساحات تويتر وغيره من وسائل التواصل، وملاحظة تلك الجهود والدعوات الداعمة للجهود الرسمية والتي تنادي بإعطاء اللغة العربية حقها من الاهتمام، وحفظ أمنها، وحمايتها من التلوث اللغوي، وصونها من الهجر والاستبدال تقدم مثالا حيا جليا للتطوع في خدمة اللغة العربية اليوم، وتجلي مفهوم «التطوع اللغوي» الذي بدأ منذ القرن الهجري الأول واستمر إلى يومنا هذا لا يبتغي أجرا ولا يريد إلا نفع لغة القرآن الكريم وازدهارها وعزها الذي هو طريق لعز الإسلام والوطن.