موفق النويصر

الاستقواء على الناس بالنيابة العامة

الاحد - 05 سبتمبر 2021

Sun - 05 Sep 2021

في بيانها الأخير استعانت وزارة التعليم بعصا النيابة العامة الغليظة لتمنع طلابها من تصوير ونشر ما يظهر أمامهم من مخالفات وقصور في مدارسها.

وجاء المنع بعد أيام قليلة من سماحها لهم باصطحاب جوالاتهم للمدارس، واقتناص بعضهم فرصة وجود حالة من عدم الجاهزية لعدد من الفصول الدراسية، لتصويرها ونقلها للعموم عبر منصات التواصل الاجتماعي.

والحقيقة أن استحضار التعليم للنيابة العامة في بيانها استوقفني كثيرا، فمن جهة، هل هي بحاجة للاستعانة بطرف خارجي لفرض سلطتها على طلابها ومدارسها؟ ومن جهة أخرى، هل هي ملزمة بتبرير قراراتها أو الرجوع عنها؟

بالبحث في أسباب هذا الاتكاء، ولماذا لم تكتف الوزارة بأنه إجراء لم تعد بحاجة إليه، تبين أن القصة بدأت يوم الأربعاء 25 أغسطس بتصريح متلفز لمساعد مدير عام الإشراف التربوي بالوزارة عبر قناة الإخبارية، أكد فيه أن السماح بإحضار الجوالات إلى مدارس الطلاب والطالبات سيسهل عملية الدخول إليها، واضعا ثقته فيهم.

الأيام التي تلت القرار شهدت جدلا واسعا، أفرز تعهد مدارس بتطبيق القرار، وأخرى قررت عدم السماح لطلابها باصطحاب جوالاتهم، وإبلاغ أولياء أمورهم بذلك قبل بدء الدراسة.

مع صباح أول يوم دراسي، 29 أغسطس، انتشرت مقاطع مصورة تظهر عدم جاهزية بعض المدارس للدراسة، دون التيقن من صحتها أو أماكنها. تبعها في المساء تغريدة للنيابة العامة على حسابها في تويتر، تذكر بعقوبة سوء استخدام الهواتف الذكية في انتهاك خصوصيات أماكن العمل بتصوير الآخرين أو التشهير أو إلحاق الضرر بهم، أو بتجاوز الآداب العامة.

بعدها بيومين ألغت الوزارة قرارها الأول، مستحضرة تغريدة النيابة العامة، وزادت عليها منع التصوير نهائيا داخل المدارس والمنشآت التعليمية.

بالعودة لأصل نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية على صفحة هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، يظهر أن المادة الثالثة من النظام هي الوحيدة التي تحدثت عن التصوير والنشر، حيث اعتبرت الفقرتان (4) و(5) «أن المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها»، و«التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة»، من المخالفات الموجبة لعقوبة السجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة مالية لا تزيد على 500 ألف ريال، أو بإحدى العقوبتين.

وسؤالي هنا للنيابة العامة هو: هل المدرسة كفصول وساحة وجدران يمكن اعتبارها كائنا حيا يشعر ويتأثر ويمكن التشهير به، وتطبق على من يتجاوز عليه نظام الجرائم المعلوماتية، حتى لو لم يُظهر التصوير أشخاصا بداخلها، بل رصد مخالفات ظاهرة فيها؟ وإن كانت كذلك، فلماذا إذن لا نسمع أنها اتخذت إجراءات ضد ناشري مقاطع تنطبق عليهم كل شروط «الجرائم المعلوماتية» بعد أن تفاعل الناس والمسؤولون مع تلك المقاطع إيجابيا؟

الأكيد أن هناك من يستخدم التصوير والنشر العشوائي للإضرار بالمجتمع، وهؤلاء يستحقون أن تطبق بحقهم العقوبات الرادعة بالنظام، ولكن الأكيد أيضا أن بعض المقاطع كشفت عن مخالفات وجرائم لم يكن من السهل ملاحقة مرتكبيها والوصول إليهم في الوقت المناسب لو لم تنتشر في منصات التواصل، والنيابة العامة نفسها مع وزارة الداخلية لا تخلو بياناتهما اليومية من الاستناد على ما ينشر عبر هذه المنصات في عمليات البحث والتوقيف.

لذا أعتقد أن من حق الناس على النيابة العامة معرفة الحد الفاصل بين ما يمكن نشره دون عقاب، والآخر الذي يُحظر نشره نهائيا، خاصة أن الكثير من المسؤولين أصبح اليوم يستخدم اسمها في الاستقواء عليهم وعلى ملاحظاتهم.

ختاما، أهمس في أذن وزير التعليم «ينبغي ألا تزعجك الصور التي انتشرت لبعض المدارس غير مكتملة التهيئة، وهي بالمناسبة قليلة جدا ولا تلغي الدور الكبير الذي تقوم به الوزارة ورجالها المخلصون على كافة الأصعدة، بل عليك شكر ومكافأة من صورها؛ لأنه كفاك عناء الوصول إليها، ومساءلة مسؤوليها عما كانوا يفعلون طوال ثمانية عشر شهرا أغلقت فيها المدارس أبوابها».

@alnowaisir