علي المطوع

المستبد الإداري العاجز

الاحد - 08 أغسطس 2021

Sun - 08 Aug 2021

يعرف الاستبداد بأنه قرين الظلم، وهو صفة سادية تقترن ببعض البشر، وخاصة أولئك الذين لهم ماض مأساوي عانوا فيه مرارات القهر والقسوة والحرمان، والاستبداد كمفهوم وممارسة ليس حصرا في السلطات المطلقة كما يظن البعض، بل قد ينسحب ويتماهى مع السلطة الإدارية البسيطة وبعض تجاوزات أفرادها.

عالم الإدارة في قياساته وأبعاده وصوره، يظل عالما مبنيا على التراتبية التي تقوم أساسا على مفاهيم الرئيس والمرؤوس وبينهما عمل يجب إتمامه وإخراجه بصورة ترضي المستفيد سواء كان فردا أو مجتمعا.

هنا نستحضر صورة المدير المثالي الذي يتسنم مهامه بعد حقبة من التدرج الزمني والمهني في عالم الوظيفة، هذا النوع من المديرين يصل وقد أصبح خبيرا بمنظومته واحتياجاتها المختلفة، فوق ذلك يملك حسا إنسانيا يؤطر نشاطاته الإدارية ويجعلها أسيرة لذلك المفهوم الذي يظل أولا وقبل كل شيء.

المدير المثالي هو الذي عتقته الفترة الزمنية السابقة، والتي تدرج خلالها في سلم المسؤوليات، ليصبح بعد حين من الدهر مديرا مسؤولا يعتمد عليه، هذا المدير متصالح مع ذاته ومع الآخرين، لا تحركه الأحقاد ولا الضغائن، الجميع أمامه سواسية والأفضلية عنده تكون للمنتج، بعيدا عن أي مفاهيم تصنيفية مغلوطة، والتي قد ترسخ خطأ مفاهيم غير صحيحة داخل المنظومة حول صفات الموظف الأفضل والأجدر والأكمل.

في المقابل يحضر المدير المستبد العاجز، والعجز صفة تلاحقه في حله وترحاله، في منزله بين أسرته ومجتمعه الصغير، كونه يعيش معزولا عن واقعه، فهو يتعاطى الحياة بمفاهيمها وشخوصها من خلال شخصه، فهو المحور الذي يتمحور الكون حوله، فقراراته تنطلق من شعوره بالعجز تجاه مقاومة غيرة تنهشه من الداخل، جراء تميز موظف صغير، أو زميل له استطاع أن يكتب سفرا خالدا من النجاح، أو تجاه قسم تجلى من خلال موظفيه المستقلين ليصبح الأكثر إنتاجية وتميزا في منظومته.

ولعل من أكثر الأشياء التي تسهم في استبداد هذا النوع من المديرين، هي دائرته الصغيرة في العمل والتي ينفذ إليها ومن خلالها كل مدلس جاهل منعدم الضمير، هؤلاء الصغار بدهائهم ولؤمهم يستطيعون أن يجدوا لهم مكانا داخل دائرة هذا المستبد الغافل، ومن خلالهم يبدأ باستنطاق الصور المخفية عنه، فتصبح آراؤهم مشاريع قرارات إقصائية تتخذ، والصور التي يرسمونها للموظفين تصبح قاعدة بياناته التي يرى فيها فصل الخطاب، الذي ينطلق منه لتصفية كل موظف مختلف عن السائد الذي ألفه في دوائره الضيقة في عمله ومنزله.

المسؤولية الإدارية أمانة في عنق كل مدير تسنم مهمة إدارة مرفق خدمي خاص أو حكومي، وصور الاستبداد التي قد تمارس في هذه المنظومات تعكس حالة السواء النفسي لذلك المدير ومستواه، فكل ما كانت حالته النفسية مستقرة كان أقدر على تفهم السلبيات قبل الإيجابيات، ووضعها في سياقها العملي والإنساني الصحيحين، أما التترس خلف بعض القناعات الراسخة في الأنانية وحب الذات، فذلك منتهى التسلط والاستبداد الذي يفضي إلى تعطيل ومحاربة كثير من الكفاءات في مقابل تصعيد فئات لا تستحق شرف الوظيفة العامة، فضلا عن المكانة التي تستأثر بها والتي تجعلها في حضورها امتدادا لسياسات إدارية خاطئة، تقرب المقصر وتصادر الكفاءات التي تثبت الأرقام أنها الأفضل والأكمل، وهنا نصبح أمام نوع من الاستبداد والابتزاز بطله مدير مستبد عاجز وضحاياه منظومات إدارية وموظفون أكفاء.

alaseery2@