سالم الكتبي

انقسامات القوى الكبرى والسلوك الإيراني

الأربعاء - 04 أغسطس 2021

Wed - 04 Aug 2021

ليس جديدا القول بأن الانقسامات في الرأي وتقدير الأوضاع الاستراتيجية بشأن الملف النووي الإيراني بين الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين من جهة، وروسيا من جهة ثانية تمثل أحد أبرز أسباب الفشل في تعاطي المجتمع الدولي مع التهديدات الإيرانية، المرتبطة سواء بالبرنامج النووي وملحقاته (تطوير الصواريخ الباليستية)، أو بالنفوذ الإيراني الإقليمي، وعلاقة نظام الملالي بالتنظيمات والجماعات الفوضوية في منطقة الشرق الأوسط.

هذا الانقسام لم يقتصر على مواقف القوى الكبرى حيال التطورات التي شهدها الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015، ولا سيما فيما يتعلق بالانسحاب الأمريكي منه والانتهاكات الإيرانية لبنود هذا الاتفاق، ولكنه يمتد ليشمل مجمل السلوكيات الإيرانية إقليميا ودوليا، حيث تختلف تقديرات القوى الدولية الكبرى أيضا لأي سلوك عدواني إيراني، وأحدث حلقات هذا الاختلاف جاءت عقب استهداف ناقلة نفط إسرائيلية تبحر في المياه الدولية قبالة سواحل سلطنة عمان مؤخرا، حيث أكدت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن «ثقتها» في ضلوع إيران في هذا الاعتداء، بينما قال المسؤول الروسي رفيع المستوى زامير كابولوف مدير القسم الآسيوي بوزارة الخارجية الروسية، والمبعوث الخاص لأفغانستان، إنه لا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بأن إيران قد تكون متورطة في الهجوم على ناقلة النفط «ميرسر ستريت»، مؤكدا على أنه لم يتم تقديم أي حقائق، وقال كابولوف لوكالة «سبوتنيك»: «ليس لدينا أدنى سبب للاعتقاد (أن إيران متورطة في الهجوم)، حيث لا توجد لدينا أي حقائق، وسنغير موقفنا عندما تكون هناك حقائق»، وهذا يعني ـ بافتراض غياب المعلومات الاستخباراتية لدى موسكو في هذا الشأن فعلا ـ أن الموقف الروسي لا يزال ـ حتى الآن ـ يعتمد على الاعتقاد وتحليل الشواهد، وهو أمر يصب بمصلحة ملالي إيران ويتسبب في حالة انقسام دولي تؤثر سلبا في بناء موقف رادع ضد مثل هذه الانتهاكات للقانون الدولي.

معلوم أن الموقف الروسي في هذا الشأن لن يذهب إلى حد طلب معلومات ودلائل من إسرائيل أو الولايات المتحدة في الإطار الثنائي كي يتفادى بالتبعية بناء موقف يدين الملالي الذي تتلاقى مصالحهم الاستراتيجية مع روسيا في ملفات عدة، ولا سيما في الوقت الراهن حيث تتصاعد التوترات الروسية ـ الأمريكية بشكل يحول دون أي صفقات وراء الكواليس، ولكن تكرار مثل هذه الانقسامات لا يصب مطلقا في مصلحة الأمن والاستقرار الدولي، الذي يفترض أن القوى الكبرى، ولا سيما دائمة العضوية بمجلس الأمن، تتحمل مسؤوليته انطلاقا من مسؤوليتها عن تنفيذ المهام التي يضطلع بها المجلس!

المسألة هذه المرة لا ترتبط بقضية خلافية تحتمل الأخذ والرد والسجالات التقليدية التي تدور بين عواصم صنع القرار الدولي، ولكنها واقعة تخص أمن وحرية الملاحة والتجارة الدولية وأمن الطاقة في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية للأزمات العسكرية، لذا كان يفترض النظر إليها من هذا المنظور الذي لا يختلف عليه اثنان، لأن التغاضي عن مثل هذه الانتهاكات والتجاوزات تشجع على تكرارها سواء من الملالي أنفسهم أو من جانب أي دول وجماعات وتنظيمات ووكلاء لأنظمة تحرض على الفوضى والاضطرابات.

ملف ملالي إيران مليء بالاتهامات التي تشير الدلائل جميعها إلى تورطهم فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، وأبرزها الهجوم على منشآت شركة النفط السعودية (أرامكو)، ناهيك عن هجمات عديدة على ناقلات نفط، ولن أشير هنا إلى عمليات أخرى استهدفت مناطق وقطع عسكرية أمريكية وغير أمريكية، ليقتصر النقاش على استهداف السفن التجارية وناقلات النفط باعتبارها ليست أهدافا مشروعة لأي عمل عسكري عدواني، سواء من جانب الحرس الثوري الإيراني أو غيره من الميليشيات والتنظيمات والجماعات والدول أيضا.

ولست هنا من مؤيدي اتهام نظام الملالي الإيراني من دون دلائل وبراهين ومعلومات موثقة، برغم الشواهد التي تنسف أي اتهام لغيره، ولكنني أدعو لوحدة الصف الدولي والتعامل بشكل جاد للغاية في مثل هذه الاعتداءات، التي تمس القانون الدولي قبل أن تمس دولة ما، سواء كانت إسرائيل أو غيرها، لأن دولا عربية وخليجية أخرى تعرضت لمواقف مماثلة ولم تجد أيضا أي تحرك دولي يدعم موقفها في هذا الشأن.

المغزى هنا أن الادعاءات التي تروج لها بعض وسائل الإعلام الداعمة للملالي تنطلق من أن هذه العملية تأتي ردا على هجمات إسرائيلية طالت سفنا إيرانية عديدة طيلة الأشهر الماضية، ولكن حتى بافتراض صحة مثل هذه الادعاءات فإنها لا تعني مطلقا تبرئة الملالي من تهمة الاعتداء على ناقلة نفط، والتسبب في مقتل اثنين من طاقمها، بريطاني وروماني، فضلا عن أي خبرة بسيطة بتطورات هذا الصراع الخفي تؤكد أنه يمضي سجالا بين الطرفين، ويصعب فيه القول بأن الملالي قد مارسوا «صبرا استراتيجيا» إزاء ما يتعرضون له كما يحلو للبعض القول بذلك، فعمليات التخريب الإيرانية تمضي على قدم وساق بحرا وبرا في مناطق عدة لا تخفى على الأعين الباحثة عن الحقائق، وليس لأحد الادعاء بمظلومية هذا النظام الذي تسبب في نشر الفوضى وإطالة أمدها بالعديد من الدول.

وأخيرا أقول، آن الأوان كي يدرك المجتمع الدولي خطر استمرار هذه العربدة الإيرانية، وأن تدرك القوى الكبرى حدود مسؤولياتها الدولية، ومتى تتفق ومتى تختلف وعلى أي قضايا وأي ملفات وتفصل بين العام والخاص في هذا الشأن، وأن يدرك نظام الملالي كذلك أن انتهاك القانون الدولي لن يبقى من دون سقف ولا ردع مضاد، وأن التهديد باستهداف مصالح الدول الأخرى حال تعرض هذا النظام لأي هجوم لن يحول بينهم وبين تحمل عواقب أخطائهم.

@drsalemalketbi