سالم الكتبي

رئيسي وتغيير «بوصلة» السياسة الإيرانية

الأربعاء - 30 يونيو 2021

Wed - 30 Jun 2021

منذ الإعلان رسميا عن فوز إبراهيم رئيسي بالانتخابات الإيرانية التي أجريت مؤخرا، والدوائر السياسية الإقليمية والدولية تتحدث عن تغييرات نوعية كبرى في السياسة الخارجية الإيرانية.

والحقيقة أن التغيير في هذه السياسة يحدث بين مد وجزر ورئيس وآخر ولكن ليس للشخص الذي يتولى منصب الرجل الثاني في إيران دخل في ذلك، بل الحاصل أنه يختار بناء على متطلبات المرحلة، والأمر لا يحدث كما في الدول الغربية، بمعنى أن الرئيس المنتخب لا يضفي سوى القليل من بصماته الشخصية على المنصب الرئاسي، فكل ما يحدث أن مفردات قاموس الخطاب السياسي الرئاسي تتغير بتغير الرؤساء في نظام الملالي، وهو أمر بديهي لأن الاختيار من بدايات «الفلترة» أو الهندسة الانتخابية قد تم بناء على شروط ومعايير تلبي ما يريده الرجل الأول.

وبناء على ما سبق، يصبح السؤال الأكثر إلحاحا هو: ما الفارق بين روحاني ورئيسي؟ والجواب هنا أن هناك فوارق في شخصية الرجلين وهذا أمر طبيعي، ولكن هذه الفوارق ليست على مستوى التفكير الاستراتيجي بل على مستوى التكتيكات المتبعة لتنفيذ مصلحة النظام، فكلاهما من الأبناء المخلصين للنظام مع اختلاف الرؤى والأفكار، وروحاني لم يكن على الضد من المرشد الأعلى علي خامنئي، كي يأتي برئيسي الذي يتماهى معه تماما في الآراء والمواقف، بل ما حدث أن رؤية روحاني التي رأى فيها خامنئي يوما مصلحة للنظام لم تتحقق كما كان يرجو المرشد ورفاقه، وأقصد بذلك تحديدا، مسألة البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي اختار المرشد استراتيجية تبديل الوجوه من أجل وضع معطيات جديدة على طاولة التفاوض بما يعنيه ذلك من تغييرات في بيئة التفاوض بما يرضي الجناح الأكثر تشددا في النظام، وبما يسهم في تعظيم الضغوط على الولايات المتحدة والغرب عموما للإسراع برفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.

يبدو الفارق بين روحاني ورئيسي كما كان بين خاتمي ونجاد، فعادة ما يأتي نظام الملالي برئيس يوصف بالمتشدد ليخلف رئيس كان يوصف بالإصلاح والاعتدال، والعكس يحدث أيضا، فالسياسة الخارجية الإيرانية تبدو مثل مسرح العرائس، تمضي بين شد وجذب، وتشدد واعتدال، ومن يحدد توقيت ظهور هذا وذاك هو من يمسك بدفة القيادة ويحدد بوصلة النظام سواء في المرحلة الراهنة أو المقبلة هو المرشد الأعلى، الذي يتحكم في اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية وهو من يحدد ويشخص مصلحة النظام ويرسم طريقه وعلى الجميع تنفيذ ما يراه صوابا.

المخرجات هنا تأتي في صورة توزيع أدوار محسوب بدقة وعناية، سواء من حيث تحديد الأشخاص أو توقيت ظهور أبطال المرحلة، وهكذا يمكن فهم دورات حياة الرئاسة الإيرانية في مجمل مسيرتها، فالرئيس الجديد إبراهيم رئيسي ترشح في انتخابات عام 2017 ضد الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني وفاز بنسبة 38% من الأصوات، أي أنه اسم مطروح بقوة في الساحة السياسية الإيرانية، ولكنه لم يحظ في الانتخابات الماضية بنفس الدعم والظروف التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة، حيث تمت هندسة الظروف والشروط والمعايير وتهيئة الأجواء تماما لوصوله للسلطة، وتفادي أي عائق قد يحول دون فوزه بالنظر إلى حساسية المرحلة الراهنة من تاريخ نظام الملالي، لدرجة أن هذه «الهندسة» قد قوبلت بانتقادات حادة من أبناء النظام ذاتهم، بل إن المرشد الأعلى خامنئي نفسه قد أقر بحدوث «ظلم» تعرض له بعض المستبعدين من قوائم الترشح بمعرفة مجلس صيانة الدستور، ولكنه لم ينتقل إلى مرحلة تصحيح هذا الظلم كما دعاه روحاني وغيره، حتى أن هذا الإقرار كان فيما يبدو قد جاء من دون تنسيق مسبق وهذا ما يفسر عدم حدوث «التصحيح» وإعادة بعض المستبعدين للسباق الانتخابي، حيث اختار المرشد تجاهل اعترافه بالخطأ خشية حدوث منافسة انتخابية حقيقية تهدر فرص رئيسي في الفوز!

المحصلة أن التغيير في السياسة الإيرانية هو تغيير مخطط له من قبل المرشد الأعلى خامنئي الذي ارتأى فيما يبدو تغيير خطط التعاطي مع الولايات المتحدة، وأن التغيير يستلزم تغيير الوجوه وبيئة التفاوض ومعطياته، وبالتالي فإن رئيسي جاء لتنفيذ رؤية مرسومة وعلى الغرب أن يتعامل مع النظام في مجمله ولا يتوقع أن يكون الرئيس الجديد حاملا لرؤية تنسف كل ما سبق؛ فبوصلة التشدد والاعتدال بيد المرشد ولا أحد سواه، وعلى الجميع تذكر تجربة الرئيس الأسبق أحمد نجاد الذي تبنى خطابا من ضمن الأعنف والأكثر تطرفا في تاريخ النظام الإيراني ولكنه في الأخير لم يخرج عن الخط الذي رسمه له المرشد الأعلى.

drsalemalketbi@