نمر السحيمي

المنح الدراسية الخارجية..هل تتوافق مع رؤية المملكة 2030؟

الاثنين - 28 يونيو 2021

Mon - 28 Jun 2021

المنحة الدراسية الخارجية تعني استجلاب طلاب من جميع دول العالم؛ ليتعلموا في عدد من جامعات المملكة نهج السلف الصالح في العلم والحياة، ثم يحصلوا بعد ذلك على الشهادات العلمية العليا (ليسانس أو ماجستير أو دكتوراه).

وقد التزمت المملكة منذ تأسيس جامعاتها المعنية بالعلم الشرعي بهذا النهج؛ لتصرف مئات الملايين على جلب أبناء المسلمين وتعليمهم، والقيام على حاجاتهم أثناء سنوات الدراسة من مصاريف وإقامة وسكن وتنقل ومعيشة هم وزوجاتهم وأولادهم.

والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن المخطط لرؤية المملكة 2030، أو المهتم ببرامجها ومشاريعها هو:

ما هي النتيجة من وراء هذه المبادرة التي التزمت بها المملكة كل تلك السنوات الطويلة ولا زالت؟ وما مخرجات هذه المبادرة؟

وللجواب على هذه التساؤلات لا بد من التأكيد أن هدف المملكة من مبادرة (المنح الدراسية الخارجية) توضحه المادة الثالثة والعشرون من الباب الخامس (الحقوق والواجبات) في النظام الأساس للحكم ونصها: «تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله».

فهي إذن مبادرة تعتبرها المملكة واجبا تلتزم به تجاه المسلمين في كل دول العالم، ليتعلموا دينهم الإسلامي السمح الوسطي الذي ترفع شعاره المملكة منذ تأسيسها.

وإذا عدنا إلى الإجابة عن سؤال ماهي نتيجة هذه المبادرة؟ وما مخرجاتها؟؛ لا بد أن نعرف البيئة التي يتعلم فيها طلاب المنح الخارجية بالمملكة وهي في غالبها (ثلاث جامعات) تعد معنية بتعليم (الدين الإسلامي) الذي ورثته المملكة متسلسلا من القرون المفضلة الأولى إلى أن وصل الدولة السعودية الثالثة، حيث أقام الملك عبدالعزيز (رحمه الله) أسس بلاده على وسطية الإسلام، وجعل الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح هما الوحيان اللذان تحتكم إليهما المملكة.

ولعلي أقف عدة وقفات حول واقع مبادرة المنح الدراسية الخارجية التي تقدمها المملكة:

أولا: من حيث الرؤية والرسالة؛ فلم تضع أي جامعة من الجامعات المعنية بالمنح الدراسية الخارجية لا رسالة ولا رؤية لمبادرة المملكة في هذا الصدد، وتبـرز أهمية الرسالة والرؤية إذا علمنا أن الرسالة تعني: المضمون الذي يوضح أهداف المبادرة، ويشرح أهم بنودها، ويفصل المهام التي يجب القيام بها، والرؤية: تعني التصور العام للمبادرة مستقبلا، فلا يتصور أحد إذن أن تثمر أي مبادرة عن نتائج صحيحة بلا رسالة ولا رؤية.

ثانيا: من حيث التقييم؛ فلا يوجد تقييم علمي لقياس نتائج ومخرجات مبادرة المنح الدراسية الخارجية منذ بدأت المملكة هذه المبادرة وإلى اليوم، فكل جامعة حسب ميزانيتها التي تصرفها لها الدولة تحدد النسبة الممنوحة من الطلاب من مختلف الدول، ثم تشكل لجان لإجراءات جلبهم للمملكة، وعند هذا الحد تنتهي الإجراءات ويترك لطالب المنحة الدراسية حرية الإقامة والدراسة على نفقة الجامعة طالت المدة أو قصرت، اللهم إلا ما تتخذ من إجراءات داخل الجامعة لمتابعة استمرار الطالب في دراسته، وعدم وجود تقييم علمي لقياس نتائج هذه المبادرة ومعرفة مخرجاتها، هو هدر للجهود في كل المجالات وخاصة في المجال الاقتصادي.

ثالثا: المناهج والمقررات المقدمة لطلاب المنح الدراسية الخارجية؛ فلا يختلف أحد على توافق المناهج والمقررات في جانبها النظري مع سياسة التعليم بالمملكة؛ لكن الجانب التطبيقي يختلف تماما عن الجانب النظري؛ فالدراسات المسحية للجانب التطبيقي في (بعض) الجامعات المعنية تبرهن على وجود صراعات فكرية مختلفة ليست على مسائل علمية بل حول مسائل بعيدة كل البعد عن وسطية الإسلام، والتعليم المتزن الذي يصل لهذه الوسطية، ولا شك أن لهذه الصراعات الفكرية تأثيراتها السلبية على طلاب المنح الدراسية الخارجية وغيرهم من الطلاب، وهو مؤشر على أن وجود الصراعات الفكرية داخل ميدان تعليم هذه الفئة من الطلاب الأجانب سينحرف بهم عن التحصيل العلمي المفيد الذي جلبوا من أجله، ليدخلهم في طرق مظلمة لا نهاية لها ولا علاقة لها بالإسلام الوسطي.

رابعا: تحول الهدف؛ فطلاب المنح الدراسية الخارجية وبعيدا عن قاعات الدروس الجامعية الذي يفترض أن يقضوا فيها سنين دراستهم فيعودوا إلى بلدانهم محملين بالعلم النافع؛ تجد الكثير منهم ينخرط في المجتمع وسوق العمل، ويحاول التخلف والبقاء بالمملكة بعد تخرجه، وإن لم يقدر يحاول تمديد دراسته لسنوات طويلة رغبة في البقاء بالمملكة؛ لأهداف اقتصادية وليس علمية، ولا شك أن في ذلك انحرافا بأهداف مبادرة المنح الدراسية الخارجية عن مسارها الصحيح إلى خلق مشكلة لها آثارها السلبية على الوطن والمجتمع.

ولأن عرض مثل هذا الموضوع لن يكفيه مقال محدد المساحة بل يحتاج إلى دراسة علمية متكاملة من مختلف الجوانب؛ فإنني اكتفي بما أشرت إليه، إلا أنني سأختم مقالي هذا بمقترحات حول هذا الموضوع لتتوافق مبادرة المنح الدراسية الخارجية مع رؤية المملكة 2030:

1 - لا يوجد حتى الآن بالمملكة نظام يضبط مبادرة (المنح الدراسية الخارجية) التي تقدمها المملكة منذ عقود طويلة سابقة؛ والحاجة قائمة لسن نظام يرتب وينظم هذه المبادرة ويوحد إجراءاتها في الجامعات المعنية أو يؤسس لها هيئة خاصة بها.

2 - بتحديد نظام الجامعات الجديد ما ستكون عليه الجامعات مستقبلا من حيث الاستقلالية المالية لتتولى الجامعات مواردها ومصروفاتها، وتتحول بكل كوادرها إلى نظام العمل، يتبين أن الجامعات المعنية بالمنح الدراسية الخارجية لن تستطع القيام بهذه المبادرة، وإنها والحال كذلك فلا بد إما أن توافق الدولة على استمرار المنح الدراسية الخارجية وتتكفل بتكاليفها عبر الجامعات المعنية كما هو في السابق أو عبر هيئة مختصة تؤسس من أجل هذا الهدف، أو تلغى هذه المبادرة، وتحول الجامعات المعنية بها إلى جامعات محلية بدون اختصاص علمي محدد أو تلغي الدولة هذه الجامعات نهائيا.

3 - نظرا لما أشرت إليه في هذا المقال من عدم توافق الجانب النظري مع الجانب التطبيقي في المناهج والمقررات في (بعض) الجامعات المعنية بجلب طلاب المنح الدراسية الخارجية سواء كان ذلك بسبب عدم تطبيق إجراءات الجودة أو بسبب ما يشاع من اختراق معتنقي الفكر الإيديولوجي الإخواني الدخيل لمنظومة التعليم؛ فإن تغيير آلية المبادرة من جلب الفئات المستهدفة للمملكة إلى نقل المملكة العلم الشرعي لهم في بلدانهم بتأسيس الجامعات أو المعاهد وإدارتها، وندب الأساتذة لها، أو مشاركة الفئات المستهدفة المؤتمرات والندوات وإقامة المحاضرات في بلدانهم تحت إشراف المملكة؛ فلربما سيكون تحويل الآلية بالشكل الذي أوضحت أقل تكلفة بكثير من جلب مئات الألوف من الطلاب الأجانب دون رسالة ولا رؤية للمبادرة التي تكلف الدولة مئات الملايين بالرغم من عدم ضمان جودة التعليم الذي يتلقونه، وعدم قياس الضرر الذي يكشف عنه الواقع، وما يتحمله الوطن والمجتمع من وراء ذلك.

وبعد؛ فإن رؤية بلادنا والتحول الوطني الذي سيحققها يلزمنا جميعا أن نضع النقاط على الحروف بشفافية كاملة، وتوازن يضع بعين الاعتبار مسؤوليات المملكة وواجباتها تجاه العالم، وفي مقابل ذلك أن تتوافق هذه المسؤوليات والواجبات مع رؤية المملكة 2030.

alsuhaimi_ksa@