عبدالله العولقي

هويتنا بين الأزمة والثقة

السبت - 26 يونيو 2021

Sat - 26 Jun 2021

قرأت ذات مرة أن أحد محرري الصفحات الثقافية لمجلة عربية شهيرة ذهب إلى إسبانيا لتغطية تقرير تاريخي عن الحضارة الإسلامية في الأندلس، وعندما استقبلته المرشدة السياحية في مدريد أصرت على الحديث معه باللغة الإسبانية التي لم يكن يجيدها، وعلى قدر الصعوبات التي واجهها المحرر في التعامل مع تلك المرشدة الإسبانية إلا أنها ودعته باللغة الإنجليزية عند انتهاء العمل بينهما، وعندما سألها عن إجادتها للغة الإنجليزية، أخبرته أنها تجيدها بطلاقة مع الفرنسية والألمانية ولكنها تعتز بلغتها الأم، وهذا جزء من متطلبات عملها الثقافي والقومي، على جانب هذه الحكاية، هناك العشرات من القصص التي تحاكي هذه القصة حول نمطية الاعتزاز والثقة التي ينبغي إبرازها كهوية أمام الآخر، فهنا تظهر الثقة باللغة كإحدى أهم مقومات الهوية الإنسانية.

لا شك أن ترديد فكرة نظرية المؤامرة قد يعيق الالتفات الثقافي تجاه هذه المعضلة التي نعانيها اليوم، لكن ما نراه اليوم من التعبئة الفكرية لدى بعض وسائل الإعلام العربية، وما تقدمه من طرح إعلامي يمس مقومات التاريخ والقيم والدين، وتقديم محتوى البدائل الثقافية الأخرى كمستنسخات لطبيعة وكينونة المجتمعات العربية يدق أجراس الخطر تجاه هويتنا التاريخية، ولعل دعاوى الحريات وحقوق الإنسان ومظلومية المرأة التي يرددها بعض أدعياء التنوير أو المنظرين كشعارات فكرية أو ثقافية تعمق إشكاليتنا مع الهوية، لا سيما أن بعضهم يصر على تقديم طرحه التخريبي دون النظر في العواقب والمآلات الوخيمة.

إن محاولات طمس الهوية التاريخية للعرب والمسلمين يرتكز عبر منظومة إعلامية يقودها بعض الإعلاميين المتأثرين بقيم الحضارة الغربية، ولا شك أن لديهم أتباعا يتشكلون كأبواق إعلامية تعج داخل وسائل التواصل الاجتماعي وتردد شعارات ربما لا تدرك سياقاتها التاريخية، والغريب أن هؤلاء لا نجدهم أثناء الإشادة بعالم مسلم بارع أو طبيب وطني بارز، فهذه الشواهد المضيئة تتشكل كأحجار عثرة أمام مشاريعهم التخريبية.

أيضا، ما تقدمه بعض الأعمال الفنية في السينما والمسلسلات أو عبر مقاطع بعض مشاهير السوشيال ميديا – سواء بقصد أم بغير قصد – من بث ونشر السلبيات داخل المجتمعات العربية بصورة تهكمية، أو إلقاء الضوء على الجوانب السلبية في الشخصية العربية أو الإسلامية، قد أسهم بشكل أو بآخر في تعميق أزمة الهوية الإسلامية.

وأخيرا ،، لا شك أن كينونة الهوية العربية والإسلامية ذات عراقة حضارية في تاريخ الوجود الإنساني، وقد شكلت حقبة علمية مضيئة في زمن كان الجهل قد خيم على معظم المجتمعات البشرية، وهذه الحضارة تشكل مصدر اعتزاز للعرب والمسلمين كهوية تاريخية لهم، وما نحتاجه اليوم هو التصدي الإعلامي ومواجهة أي مشروع ثقافي أو فكري يرتكز على هز ثقتنا بهويتنا العربية والإسلامية، وتعميق ذلك كمنظومة إعلامية عربية مشتركة، سواء في المناهج الدراسية أو عبر الخطاب الديني أو من خلال المنظومة الإعلامية بشقيها التقليدي أو الالكتروني.

@albakry1814