الانتخابات الإيرانية: تغيير الوجوه لا السياسات
الأربعاء - 16 يونيو 2021
Wed - 16 Jun 2021
تشهد الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 18 من الشهر الجاري غيابا للتنافس الفعلي بسبب تضييق الخناق على المرشحين الأكثر قدرة على المنافسة وجذب اهتمام الناخب الإيراني، حيث استبعد مجلس صيانة الدستور ثلاثة من أبرز المرشحين وهم الرئيس الأسبق أحمدي نجاد، ورئيس مجلس الشورى السباق على لاريجاني، والمرشح المحسوب على ما يعرف بالتيار الإصلاحي إسحاق جهانغيري، بالإضافة إلى 8 مرشحين آخرين يفترض أنهم يمثلون جبهة الإصلاحيين الإيرانيين، ومن ثم سيطر التيار الأكثر تشددا على قائمة تضم 7 مرشحين، حتى أن الرئيس حسن روحاني انتقد ما وصفه بالاستبعاد الجماعي لعدد من المرشحين، ودعا في رسالة أرسلها إلى المرشد الأعلى علي خامنئي للتدخل لتوفير (منافسة أكبر) في الانتخابات، وهو ما قوبل برفض من الأخير الذي عاد لاحقا وأقر بتعرض بعض المرشحين للظلم، داعيا إلى تعديل الأخطاء وهو تصريح استهدف فيما يبدو احتواء الغضب؛ لأن القائمة النهائية للمرشحين تحظى بموافقة المرشد قبل إعلانها ما ينفي فكرة اعتمادها من دون الحصول على ضوء أخضر بذلك.
والحقيقة أن المنافسة باتت واقعيا محصورة بين 7 مرشحين أبرزهم إبراهيم رئيسي أحد أبرز المقربين من المرشد الإيراني علي خامنئي، وقد حصل في الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2017، التي فاز فيها روحاني بفترة رئاسية ثانية، على 38% من أصوات الناخبين، ويعتبر رئيسي مرشح المرحلة لأسباب عدة أهمها أنه يحتفظ بعلاقات قوية مع جناحي القوة في نظام الملالي: المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني، فضلا عن كونه المرشح المفضل لدى الجناح الأكثر تشددا في النظام.
وطالما عرف رئيسي بقاضي الإعدامات، حيث كان واحدا من القضاة الذين كانوا يشكلون ما عرف بلجنة الموت، التي أصدرت أحكاما بالإعدام ضد الكثيرين من عناصر المعارضة رغم انتهاء فترات العقوبة في السجون، وظل دائما موضع ثقة المرشد الحالي حتى أن معظم التوقعات كانت تشير إلى أنه الخليفة المحتمل لخامنئي، وأن ترشحه للفوز بمنصب الرئيس إنما يعد تأهيلا له لتولي المنصب الأكثر أهمية وحساسية على قمة نظام الملالي، وأعتقد أن الإصرار على تهيئة أجواء الفوز أمامه بهذه الطريقة المكشوفة يستهدف تجنب خسارته للانتخابات بأي شكل من الأشكال، لأن الخسارة تضعف للغاية فرص تعيينه مرشدا أعلى لفقدانه للثقة الشعبية في دورتين انتخابيتين متتاليتين، ما يجعل من الصعب اختياره خلفا لخامنئي حال وفاته. ويعد سعيد جليلي، الأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني والمفاوض السابق بشأن البرنامج النووي، المنافس المحافظ الأقرب لمنافسة رئيسي على الفوز في الانتخابات المقبلة، حيث حصل في انتخابات عام 2013 على 4 ملايين صوت وحل ثالثا في تلك الانتخابات.
ورغم غياب التنافس، فإن هذه الانتخابات تحظى بمتابعة دولية بالنظر إلى وجود قلق دولي من أن يكون لها تأثير سلبي محتمل على موقف إيران في المفاوضات الجارية في فيينا بشأن العودة للاتفاق النووي الموقع عام 2015، حيث تخشى الدوائر الغربية أن يسيطر المتشددون بشكل كامل على دوائر السلطة في نظام الملالي، ما يجعل التفاوض معهم أكثر صعوبة مما هو حاصل حاليا.
والواقع أن تهيئة مسرح السياسة الإيرانية لفوز مرشح متشدد يعني أن المرحلة المقبلة هي الأكثر صعوبة بالنسبة للتفاوض مع الولايات المتحدة، فرغم أن المرشد الأعلى هو صاحب القول الفصل في السياسة الخارجية الإيرانية، وأن كل الخطوات لا تتحقق سوى بضوء أخضر مباشر منه شخصيا، فإن وجود شخصية متشددة في منصب الرئاسة يعني اكتمال دائرة التشدد في مؤسسات السلطة الإيرانية، بعد سيطرة المتشددين على مجلس الشورى والقضاء، وهو ما قد يعني تغيرات في التكتيكات وليس في الاستراتيجيات، فالفريق التفاوضي الحالي في فيينا يتلقى التعليمات ظاهريا من الرئيس روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف، ولكنه ينفذ فعليا تعليمات المرشد الأعلى ويلتزم بأوامره والخطوط الحمر التي يرسمها للرئيس والخارجية الإيرانية؛ ولذا فإن وجود مفاوض محسوب على التيار الأكثر تشددا في إيران سيثير قلق الغرب وربما يدفع الولايات المتحدة لتقديم المزيد من التنازلات، ما يعني أن تغيير الوجود هو في حقيقة الأمر يندرج ضمن لعبة توزيع الأدوار التي يجيد خامنئي توظيفها في فترات المد والجزر في العلاقات مع الولايات المتحدة.
صعود التيار المتشدد إلى سلم الرئاسة الإيرانية لا يعكس بالضرورة قوة نظام الملالي بل يعكس ضعفه وتراجع قبضته على السلطة، حيث يخشى خامنئي التأثير المتفاقم للعقوبات الأمريكية، لذا يريد تغيير تكتيكات التفاوض وإظهار وجه أكثر خشونة وتشددا، لعل ذلك يسهم في الإسراع بالخروج من قبضة العقوبات، ولكنه يتحسب كذلك للفشل في التوصل إلى تسوية بهذا الشأن، ويعتقد أن وجود رئيس مقرب من الحرس الثوري ومؤسسة ولي الفقيه يدعم تماسك النظام وقوته في مواجهة أي غضب شعبي جارف.
drsalemalketbi@
والحقيقة أن المنافسة باتت واقعيا محصورة بين 7 مرشحين أبرزهم إبراهيم رئيسي أحد أبرز المقربين من المرشد الإيراني علي خامنئي، وقد حصل في الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2017، التي فاز فيها روحاني بفترة رئاسية ثانية، على 38% من أصوات الناخبين، ويعتبر رئيسي مرشح المرحلة لأسباب عدة أهمها أنه يحتفظ بعلاقات قوية مع جناحي القوة في نظام الملالي: المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني، فضلا عن كونه المرشح المفضل لدى الجناح الأكثر تشددا في النظام.
وطالما عرف رئيسي بقاضي الإعدامات، حيث كان واحدا من القضاة الذين كانوا يشكلون ما عرف بلجنة الموت، التي أصدرت أحكاما بالإعدام ضد الكثيرين من عناصر المعارضة رغم انتهاء فترات العقوبة في السجون، وظل دائما موضع ثقة المرشد الحالي حتى أن معظم التوقعات كانت تشير إلى أنه الخليفة المحتمل لخامنئي، وأن ترشحه للفوز بمنصب الرئيس إنما يعد تأهيلا له لتولي المنصب الأكثر أهمية وحساسية على قمة نظام الملالي، وأعتقد أن الإصرار على تهيئة أجواء الفوز أمامه بهذه الطريقة المكشوفة يستهدف تجنب خسارته للانتخابات بأي شكل من الأشكال، لأن الخسارة تضعف للغاية فرص تعيينه مرشدا أعلى لفقدانه للثقة الشعبية في دورتين انتخابيتين متتاليتين، ما يجعل من الصعب اختياره خلفا لخامنئي حال وفاته. ويعد سعيد جليلي، الأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني والمفاوض السابق بشأن البرنامج النووي، المنافس المحافظ الأقرب لمنافسة رئيسي على الفوز في الانتخابات المقبلة، حيث حصل في انتخابات عام 2013 على 4 ملايين صوت وحل ثالثا في تلك الانتخابات.
ورغم غياب التنافس، فإن هذه الانتخابات تحظى بمتابعة دولية بالنظر إلى وجود قلق دولي من أن يكون لها تأثير سلبي محتمل على موقف إيران في المفاوضات الجارية في فيينا بشأن العودة للاتفاق النووي الموقع عام 2015، حيث تخشى الدوائر الغربية أن يسيطر المتشددون بشكل كامل على دوائر السلطة في نظام الملالي، ما يجعل التفاوض معهم أكثر صعوبة مما هو حاصل حاليا.
والواقع أن تهيئة مسرح السياسة الإيرانية لفوز مرشح متشدد يعني أن المرحلة المقبلة هي الأكثر صعوبة بالنسبة للتفاوض مع الولايات المتحدة، فرغم أن المرشد الأعلى هو صاحب القول الفصل في السياسة الخارجية الإيرانية، وأن كل الخطوات لا تتحقق سوى بضوء أخضر مباشر منه شخصيا، فإن وجود شخصية متشددة في منصب الرئاسة يعني اكتمال دائرة التشدد في مؤسسات السلطة الإيرانية، بعد سيطرة المتشددين على مجلس الشورى والقضاء، وهو ما قد يعني تغيرات في التكتيكات وليس في الاستراتيجيات، فالفريق التفاوضي الحالي في فيينا يتلقى التعليمات ظاهريا من الرئيس روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف، ولكنه ينفذ فعليا تعليمات المرشد الأعلى ويلتزم بأوامره والخطوط الحمر التي يرسمها للرئيس والخارجية الإيرانية؛ ولذا فإن وجود مفاوض محسوب على التيار الأكثر تشددا في إيران سيثير قلق الغرب وربما يدفع الولايات المتحدة لتقديم المزيد من التنازلات، ما يعني أن تغيير الوجود هو في حقيقة الأمر يندرج ضمن لعبة توزيع الأدوار التي يجيد خامنئي توظيفها في فترات المد والجزر في العلاقات مع الولايات المتحدة.
صعود التيار المتشدد إلى سلم الرئاسة الإيرانية لا يعكس بالضرورة قوة نظام الملالي بل يعكس ضعفه وتراجع قبضته على السلطة، حيث يخشى خامنئي التأثير المتفاقم للعقوبات الأمريكية، لذا يريد تغيير تكتيكات التفاوض وإظهار وجه أكثر خشونة وتشددا، لعل ذلك يسهم في الإسراع بالخروج من قبضة العقوبات، ولكنه يتحسب كذلك للفشل في التوصل إلى تسوية بهذا الشأن، ويعتقد أن وجود رئيس مقرب من الحرس الثوري ومؤسسة ولي الفقيه يدعم تماسك النظام وقوته في مواجهة أي غضب شعبي جارف.
drsalemalketbi@