أحمد الهلالي

مصلح يحاكم جهودي في خدمة العربية!

الثلاثاء - 08 يونيو 2021

Tue - 08 Jun 2021

ألقيت كلمتي في يوم الاحتفاء باللغة العربية، وحصدت تصفيقا حارا من الأصدقاء، ثم عدت إلى مكاني، ألحظ الأعناق تتهامس ثم تلتفت إليّ، أشعر أنهم يتهامسون بالثناء، وهذا ما حصدته حين خرجنا من القاعة، فتحلق حولي عدد من المثنين على بلاغتي وفصاحتي وذبي عن العربية، ثم لمحت الشاب السبعيني مصلح من خلف الجموع يشق طريقه إلينا، فأدركت أن حظي العاثر ضاق ذرعا بالثناء!

وقف مصلح أمامي مباشرة، يستمع إلى الثناءات، فكان يتلاعب بتعابير وجهه كلما سمع ثناء من أحد المتحدثين، مرة يفغر فاه، ومرة يجحظ عينيه، ومرة يزم شفتيه، ومرة يقطب حاجبيه، وكأنه الوجوه التعبيرية في (الواتس آب)، ثم أخرج جواله وأخذ يقول:

أيها المثنون على من يقولون ما لا يفعلون، لا تغرنكم الكلمات الرنانة التي سمعتموها من هذا المتسلق! بهت الحاضرون، فبادرت إلى تلميع الموقف بابتسامة، وقلت أهلا بصديقي اللدود مصلح، اشتقنا إليك يا رجل! فنظر إليّ نظرة صقرية وهز رأسه يمينا وشمالا: أما أنا فلم أشتق إلى رجل يزور الواقع، فهل نسيت أن حسابك على (تويتر) يقول بعكس ما ادعيته على المنبر، يا صاحب (الكوفي/ والشوب/ وسوري/ وسبرايز/ وفانتاستك/ وأوكي/ وشور/ وهابي تايم وأخواتها) هل تريد المزيد من البحث لتعلم أنك من المزرين بالعربية؟

ابتسمت ابتسامة فاقعة، أبحث عن إجابة، فقال مصلح بضحكة صاخبة، أظن حسابك مخترقا! فتفرق معظم الواقفين إلا ثلاثة فقط، فقلت لمصلح: لا تأخذ الأمر بهذه الحدة يارجل، ما كنت أتحدث عنه يختلف عما ذهبت إليه، نحن نريد موقفا رسميا يمنع ازدواج العربية بلغات أخرى، فضحك بصوت أعلى، وقال: (يازينك ساكت!)، إذا كان المنافحون عن اللغة كلهم مثلك فلن تجد موقفا رسميا، فالموقف الرسمي يحتاج إلى جهود حقيقية، وإلى رفع تقارير ترصد مظاهر التجاوزات ضد اللغة، أما المواقف السائلة فتمتصها تربة التجاهل!

فالتفت أحد الثلاثة إلى مصلح مثنيا على قوله، ونظر البقية إليّ بازدراء وغادروا، فأمسكت يد مصلح بشدة، وقلت له: متى يتعلم أمثالك أدب النصح أيها البغيض؟! فدفعني وقال: حين يتعلم أمثالك النزاهة في القول والعمل، ويخلصون لقضاياهم، ولا يتخذونها شعارات للتكسب المعنوي، إن كنت منافحا حقيقيا عن العربية فاحرص من الآن أن ترصد جميع التجاوزات غير المبررة، كأسماء الأعيان والنشاطات، وطالب الجهات الرسمية والخاصة بوقف تلك التجاوزات، وعزز موقفك الدفاعي بتخليص نفسك من لوثة (العربيزي) وجند حساباتك للذود عن العربية بالتنبيه والتعقيب على المتجاوزين. ثم أرعبني حين تقدم نحوي بخطوة سريعة مريعة مفاجئة رافعا يده بحركة تشبه المسدس، يرافقها صوت انفجاري عال (بوووو)، فتراجعت حتى اصطدمت بالجدار وكدت أسقط، فانصرف يقهقه!

ahmad_helali@