شاكر أبوطالب

اللغة العربية تتوارى عن الأنظار!

الاحد - 04 أكتوبر 2020

Sun - 04 Oct 2020

تكفي جولة سريعة في أي طريق أو مجمع تجاري، وتحديدا المواقع حديثة الإنشاء والتشغيل، لمعرفة الحالة التي آلت إليها اللغة العربية في مجال الرؤية، والنزعة المتنامية لتسمية الأعمال والأنشطة التجارية بحروف اللغة الإنجليزية، أو بحروف لغات أخرى وإن كانت قليلة، أو اللجوء إلى أسهل أنواع التعريب المعمول بها في كثير من مجامع اللغة العربية، وهو إبقاء اللفظة الأعجمية على حالها دون تغيير، حيث يكتب الاسم الأعجمي بالحروف العربية كما ينطق في لغته الأصل. وأشد الحالات سوءا هي ما يعرف باللفظ الدخيل، وهو الاسم المستعار من اللغات الأجنبية مع بقائه على وزن غريب على اللغة العربية.

أعلم أن هذه الحالة ليست جديدة، وأنها نتيجة تضافر عدد من العوامل، أبرزها الكم الضخم من الألفاظ الأعجمية التي وصلت إلينا من خلال العلوم والتقنيات والمنتجات والخدمات المستوردة من الخارج، بحكم الريادة والهيمنة لمجموعة من الدول الغربية والشرقية على معظم المجالات الصناعية والتجارية في العالم، لكن الأمر ازداد تعقيدا في العقود الثلاثة الماضية، حيث تقلصت مساحة استخدام اللغة العربية في حياتنا اليومية، أمام تنامي استخدام الألفاظ الأعجمية بصورة باتت مهددة للهوية السعودية والثقافة العربية.

هذا التلوث البصري الذي يحيط بنا في كل مكان، هو مسؤولية عدد من الجهات الحكومية المشرعة والمنظمة للأنشطة التجارية، وفي مقدمتها وزارة التجارة، التي يمكنها إيجاد الحلول المناسبة للحد من تفشي ظاهرة استخدام الأسماء الدخيلة أو المعرّبة، سواء كتابة اللفظ الأعجمي بحروف غير عربية، أو كتابة نطقه بحروف عربية.

هناك وجهة نظر تجارية متداولة تؤمن بأن تسمية العمل أو النشاط التجاري بلفظ غريب غير عربي تزيد من جاذبية الاسم! وفي الوقت نفسه هناك من يتهم اللغة العربية بالقصور عن مواكبة مستجدات العصر، وتعريب كل ما هو أعجمي وترجمته إلى العربية، وهذا استنتاج غير دقيق، لأن المشكلة تكمن في سرعة الترجمة وليس في قدرة اللغة، فلغتنا العربية تمتاز بسمات عديدة، منها الثراء والتنوع في المفردات، حيث يتجاوز عدد كلماتها 12 مليون كلمة، ما يعادل 25 ضعفا لعدد كلمات اللغة الإنجليزية، البالغ عددها 600 ألف كلمة، والتي تعد حاليا اللغة العالمية الأولى في التواصل البشري، سواء في المجتمعات الناطقة بها أو في المجتمعات الأخرى.

وآخرون يرون أن اللغات الأجنبية، خاصة اللغات المنحدرة من اللاتينية، أكثر قابلية للنحت والاختصار، خاصة مع انتشار وسائل الاتصال والتقنيات الحديثة، التي ساهمت في التوسع في استخدام الاختصارات للتعبير عن كلمة أو جملة ما، وهذه الاختصارات أصبحت مكونا أساسيا في اللغات العالمية المعاصرة على مستوى العلم والتقنيات والحياة العامة والإعلام.

غير أن هذا الواقع لا يمكنه سلب اللغة العربية ميلها إلى الاقتصاد في استخدام الألفاظ، والإيجاز مع المحافظة على المضمون ودقته، وقدرتها الفائقة على الاختصار، استجابة لدوافع لغوية فرضتها العناية بكل ما هو حيوي في الحياة.

وخلاصة القول إن العربية لغة حية وحيوية وثرية، وهي أساس هويتنا وثقافتنا، وتستحق كل جهد فردي أو جماعي أو مؤسسي لحمايتها وتعزيز استخدامها في جميع تفاصيل حياتنا.

shakerabutaleb@