زيد الفضيل

المؤسس وأخلاق الملوك

السبت - 29 مايو 2021

Sat - 29 May 2021

شدني المستشار أحمد باديب حين عنون حديثه في مجلة اليمامة أخيرا بقوله «تعلمت أخلاق الملوك من الأمير تركي الفيصل»، كما لفت نظري السياسي العراقي فائق الشيخ علي وهو يثني بحرارة على المملكة العربية السعودية والأمير تركي الفيصل بخاصة في سرده التاريخي عبر برنامج الصندوق الأسود مع الإعلامي الكويتي عمار تقي، موضحا حجم الجميل الذي يحمله على كاهله للمملكة التي ساعدته على الانتقال من المملكة إلى بريطانيا ودون أن يكون قد قدم أي خدمة مباشرة للسعودية، شاهدا بأن هذا السلوك كان نابعا من خلق ملكي عربي كبير.

هذان الشاهدان وغيرهما أيقظا في داخلي كثيرا من تلك الحكايات التي لم تغب عن خاطري، وقد دونتها حال تسطيري لكتابي «حكاية أمة ومولد شعب»، الذي قصصت فيه حكاية بناء المملكة العربية السعودية بقيادة مؤسسها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وتشرفت في حينه بإشادة خطية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله، علاوة على الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز يرحمه الله.

في هذا السياق فقد كان الملك عبدالعزيز رجلا طويل القامة، مهيب الطلعة، كريم الخلق، حليم الطبع، صبورا شجاعا متواضعا، رحب الصدر، يصغي إلى مخاطبه مهما كان شأنه، ويستقبل جميع زواره بالبشاشة لا فرق عنده بين كبير وصغير، عنيدا مع الأقوياء، متواضعا مع الضعفاء، يميل إلى الصفح والعفو حتى مع أشد خصومه الذين أصبحوا من أخلص رجالاته، وتلك ميزة العظماء.

كما كان حريصا على تأكيد أواصر المحبة وتوثيق عرى الترابط بين أبناء الوطن الواحد، كارها للتنابز الطائفي وإثارة الخلافات المذهبية، حيث جاء في إحدى خطبه في ذي الحجة عام 1344هـ «لا يسأل أحد عن مذهبه أو عقيدته، ولكن لا يصح أن يتظاهر أحد بما يخالف إجماع المسلمين، أو يثير الفتنة».

أشير إلى أن الملك عبدالعزيز قد عاش مع والده الإمام عبدالرحمن حياة الصحراء القاسية ولمَّا يكمل الـ16 من عمره متنقلا بين كثبانها، فاستشعر المسؤولية تجاه أهله وذويه وهو في سن مبكرة. كما تشكل وعيه السياسي مبكرا مع تردده على مجالس الساسة والمثقفين حال بقائه بالكويت ومجالسته للزعماء والقادة وممثلي الحكومات الأجنبية، وكل ذلك قد انعكس عليه إيجابا مع بدء مسيرته لتوحيد أرجاء وطنه، ثم على رؤيته إزاء بقية البلاد العربية التي نذر نفسه لها كجندي بسيط وفق ما ورد في أحد خطبه، حيث قال «أنا عربي وأحب عز قومي والتأليف بينهم وتوحيد كلمتهم، وأبذل في ذلك مجهوداتي ولا أتأخر عن القيام بكل ما فيه المصلحة للعرب وما يوحد أشتاتهم ويجمع كلمتهم». هكذا ولد ونشأ عبدالعزيز الذي عاش حياته دون تكلف أو عناء، ودون حواجز تمنعه من الوصول إلى الآخرين، أو موانع تحجبهم عن الوصول إليه، متخذا من الحكمة والشفافية طريقا، ومن المروءة والصدق سبيلا، إذ لم يكن يكره في حياته أكثر من ثلاثة بحسب تعبيره في إحدى المناسبات، حيث قال مخاطبا أصحابه «أريد الصراحة في القول، لأن ثلاثة أكرههم ولا أقبلهم: رجل كذاب يكذب علي عن عمد، ورجل ذو هوى، ورجل متملق، وهؤلاء أبغض الناس عندي».

ولذلك فقد تميز ببراعته في صحة تقويمه للرجال، فكان موفقا في اختيار الرجل المناسب ووضعه في المكان المناسب، كما كان يرجح العقل على العاطفة في أغلب قراراته، وهو ما ألهمه لاتخاذ كثير من القرارات الصعبة في عدد من الأوقات الحرجة.

أختم بشهادة بعض معاصريه، حيث كتب أمين الريحاني قائلا «مهما قيل في ابن سعود فهو رجل كبير القلب والنفس والوجدان، عربي تجسمت فيه فضائل العرب، رجل صافي الذهن والوجدان، خلو من الادعاء والتصلف، خلو من التظاهر الكاذب».

ووصفه الكاتب الأمريكي كيرمت روزفلت قائلا «يمتلك لب كل زائر يفد عليه من الخارج، ويمنحه صبرا لا ينفد، له براعة نادرة في أن يجعلك تشعر أنك فرد من أسرته القريبة». ووصفه المؤرخ الإنجليزي أرمسترونج بقوله «كبير القلب، ندي الكف، جسورا، لا يعرف الصبر عنده حدودا، عليما بنفوس العرب، حكيما في معاملة القبائل، وقد أوتي المزايا والخصال التي يعجب العرب بها».

تلك بعض صفات وسمات أخلاق الملك المؤسس التي أورثها بنيه وأهله، وتجسدت في كثير منهم من بعده وصولا إلى هذا العهد الميمون، وكم أرجو أن يعتني بسردها التعليم في مقرراته لينشأ أولادنا على قيم وخلق كريم صرنا في أمس الحاجة إليه مع تفشي الصور السلبية والتدوينات الخادشة للمروءة في وسائل التواصل الاجتماعي. والله المستعان.

zash113@