سالم الكتبي

هل يدعم تشدد إسرائيل الموقف الأمريكي؟

الأربعاء - 05 مايو 2021

Wed - 05 May 2021

رغم الرفض الإسرائيلي المعلن والمتكرر لعودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015، ورغم التقارير التي تتحدث عن رسائل مباشرة وغير مباشرة وجهتها الولايات المتحدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن عدم عرقلة الجهود الأمريكية الرامية للتوصل إلى تسوية تضمن (تعويم) الاتفاق النووي واستئناف الطرفين، الأمريكي والإيراني، دورهما فيه، فإن الشواهد تؤكد استمرار التنسيق والتعاون الأمريكي ـ الإسرائيلي للتصدي للتهديدات الإيرانية في مجالات مختلفة.

وأحدث التحركات في هذا الشأن هو اتفاق البلدين على تشكيل فريق عمل مشترك للتركيز على تنامي تهديد الطائرات الإيرانية المسيرة والقذائف الموجهة عالية الدقة، حيث أكد البيت الأبيض في بيان أن مسؤولين أمريكي وإسرائيلي (رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات ومستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان) اجتمعا في واشنطن وناقشا «مخاوفهما الجدية» حيال التقدم في البرنامج النووي الإيراني وأجمعا على «التهديد الكبير» الذي يمثله السلوك الإيراني في الشرق الأوسط.

الحقيقة أن هناك تواصلا أمريكيا ـ إسرائيليا مستمرا ولاسيما بشأن المفاوضات الجارية في فيينا حول الاتفاق النووي، ولاسيما أن هذه الجولة التفاوضية تتعامل مع فكرة إحياء الاتفاق أولا، ولم يحن بعد وقت التفكير في إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي أقوى وأطول أجلا، إلى جانب التعامل مع برنامج إيران للصواريخ البالستية وسلوكها في المنطقة.

الشواهد جميعها تؤكد أن العلاقة بين بايدن وإسرائيل جيدة تماما، ولا تعاني أي معضلة، والإشكالية تبقى في العلاقات بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فهناك تفاهم صعب بين الرجلين، والبعض يتحدث عن عداوات قديمة تجعل من الصعب عليهما أن يصبحا صديقين، ولكن هذا لا يؤثر بالمرة في التزام الولايات المتحدة بدعم أمن الحليف الإسرائيلي بشتى الطرق، ولا يمكن التشكيك في مصداقية هذا الالتزام بغض النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض.

صحيح أن إدارة الرئيس بايدن ربما تنظر بقلق إلى الممارسات الإسرائيلية تجاه إيران، ولكنها في نهاية الأمر لن تفكر في منع إسرائيل عن القيام بما تراه مناسبا للحفاظ على أمنها، وذلك لأسباب عدة أولها تفادي الاصطدام بشريحة كبيرة من النخبة السياسية والأمنية الإسرائيلية التي تؤمن بفكر نتنياهو ولاسيما بشأن ضرورة القيام بأي شيء يضمن إجهاض المشروع النووي الإيراني، وثانيها أن العمليات التي تنفذها إسرائيل ضد نظام الملالي على صعد أمنية شتى، تصب في التحليل الأخير في مصلحة المفاوض الأمريكي، لأنها تضاعف مخاوف الملالي من توسع نطاق المواجهة مع إسرائيل ودخول الولايات المتحدة طرفا مباشرا في أي حرب تنشب بين الخصمين اللدودين في الشرق الأوسط، بكل ما يعنيه ذلك من شبح انهيار نظام الملالي وسقوطه تحت وطأة أي ضربات عسكرية أمريكية مباشرة.

ولاشك أن بيئة التفاوض الجارية في فيينا تتأثر حتما بالضغوط التي تنتجها الضربات الإسرائيلية المتتالية ضد نظام الملالي وعناصره وميلشياته، فرغم كل ادعاءات التشدد الإيرانية، فإنه لا يمكن إنكار التأثير الكبير للضربات الإسرائيلية التي قوضت جزءا كبيرا من سمعة الملالي وكبريائهم في عيون مؤيديهم، فالاستيلاء على أرشيف البرنامج النووي الإيراني من قلب طهران، ونقله إلى إسرائيل، والعمليات السرية التخريبية التي استهدفت أهم المنشآت النووية الإيرانية، فضلا عن استهداف القطع البحرية الإيرانية، جميعها ضربات تفضح ضعف وتهافت نظام الملالي الذي يعتمد على قدرته في نشر الفوضى والاضطرابات الميليشياوية كمصدر لإزعاج الدول الأخرى.

وبالتالي، يمكن القول إن الضغوط الإسرائيلية المتزايدة على ملالي إيران هي في حقيقة الأمر رافعة استراتيجية للموقف التفاوضي الأمريكي في مواجهة التعنت والصلف الإيراني، ولكن السؤال هو: هل يستفيد المفاوض الأمريكي من هذه المعطيات ويحاول توظيفها في فيينا؟ الجواب الحقيقي يبقى حبيس غرف التفاوض، ولكن الشواهد والتسريبات تشير إلى أن رغبة فريق الرئيس بايدن في التوصل إلى اختراق ما في الملف الإيراني، ربما تسهم في عدم الاستفادة من الدعم اللا مباشر الناتج عن الضغوط الإسرائيلية، لاسيما أن المفاوض الإيراني معروف بقدرته على المراوغة والمناورة بشكل يصيب الآخرين بالإرهاق والإحباط في أحيان كثيرة، ولعل تجربة مفاوضات السنوات الأربع التي سبقت توقيع اتفاق عام 2015 خير شاهد على قدرة المفاوض الإيراني على مراوغة مفاوضي الدول الست الكبار في العالم طيلة هذه السنوات وصولا إلى مبتغاه، الذي تمثل في اتفاق كارثي مليء بالعيوب والثغرات.

drsalemalketbi@