محمد النفاعي

«الاكسيمورونات في دهاليز الممرات وغرف الاجتماعات»

الاثنين - 26 أبريل 2021

Mon - 26 Apr 2021

بادئ ذي بدء وقبل الخوض في المقال لنسترجع معا معنى مصطلح الأكسيمورون «oxymoron» في اللغة الإنجليزية.

الأكسيمورون كلمة أصلها يوناني قائمة على الثنائيات التي تجمع بين المصطلحات المتناقضة لتكون معنى آخر جميلا وذا مغزى.

الأكسيمورون يستخدم كثيرا في الأدب بأنواعه المختلفة من نثر أو مسرح أو شعر، والنوع الأكثر شيوعا من التناقض اللفظي هو صفة متبوعة باسم.

شخصيا بعد أن أبحرت في بعض الأكسيمورونات البلاغية، استرجعت الكثير من القصص الواقعية في بيئة العمل. هي قصص تحدث في كثير من الأحيان بين دهاليز الممرات وداخل غرف الاجتماعات، فالمجتمع الوظيفي مليء بالأحداث والوقائع التي يمكن وصفها لغويا باستخدام الأكسيمورون ليختصر الكثير من الدروس والعبر.

لذلك سنحاول أن نطرح بعض الأكسيمورنات البلاغية وما يقابلها من قصص واقعية تمس أخلاقيات العمل آملا أن تنير الفؤاد للتصرف الأمثل حيالها في حالة حدوثها لك يوما ما! قال تعالى ((فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)). الأعراف 176

لنبدأ بكشف أسرار بيئة العمل ببعض الأكسيمورونات:

النمو صغيرا Growing Smaller

أحد الزملاء على الرغم من إمكاناته ومهاراته العلمية والعملية الهائلة، مرت به سنوات عجاف في وظيفته ولسان حاله كما قال الشاعر:

دع المقادير تجري في أعنتها... ولا تنامنَّ إلا خـــــالي البالِ

ما بين غمضة عين وانتباهتها... يغير الله من حالٍ إلى حـالِ

كان ينتظر شيئا يحدث! نحن مع التفاؤل بلا ريب ولكن النجاح يحتاج أيضا إلى عمل وإلى تحريك الجبنة كما جاء في كتاب (من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي؟) للكاتب سبنسر جونسون، وليس الركون والاستسلام للأمر الواقع لعل الله يحدث أمرا كما تأمل. هذا الزميل بعد أن أدرك الواقع المرير وهو النمو صغيرا مقارنة بإمكاناته التي لم تقدر كما يجب من أرباب العمل، عمل على وسم tag نفسه بأحد أنواع المعرفة والتركيز عليها عن طريق اتقانها والتميز فيها أكاديميا ومهنيا.

بعد أن نجح في ذلك وانفتحت له فرص النمو المهني، انتقل إلى وظيفة أخرى ومن ثم حلق عاليا وكأنه طير للتو انطلق من قفصه. هذا يعلمنا أهمية أن تحسم وتقرر مسار حياتك المهنية في وقت مبكر ولا مانع من أن تطلب المساعدة من رؤسائك في هذا الأمر وذلك بتعريفهم باهتماماتك المهنية والشخصية. المهم أن تعي مبكرا وصولك إلى مرحلة النمو الصغير!

بداية النهاية The beginning of the End

إن وجدت نفسك لا تستمتع بما تفعل، مع استنزافك لطاقاتك وطاقات من يساندونك بدون تحقيق الفائدة المادية والنفسية لك ولمخدوميك أو مؤسستك، ببساطة نقول لك «هذه بداية النهاية». مرحلة مهنية حرجة في مسارك الوظيفي مقاربة لما يسمى (أزمة منتصف العمر).

أكبر خطأ يقع فيه المدراء في هذه المرحلة، هو التخلي عن مسؤولياتهم القيادية والمهنية بتبني مفهوم القيادة الذاتية auto pilot أو أسلوب (ترك الحبل على الغارب). أما الموظفون فهم يظهرون علامات تقاعس عن إنجاز مهامهم وتبني أخلاقيات عمل ethics سلبية.

كلاهما يعتقدان أن هذا أثره عليهم فقط وليس على من حولهم، وهذا

بالتأكيد اعتقاد خاطئ.

وكما قيل «من السهل أن نتفادى مسؤولياتنا، ولكن لن نستطيع أن نتفادى النتائج المترتبة على ذلك”.

نيران صديقة Friendly Fire

نسمع كثيرا بمصطلح النيران الصديقة وخاصة أثناء احتدام المعارك نتيجة الضغوط الكثيرة التي يمر بها الجنود.

في بيئة العمل تأتيك النيران الصديقة من أقرب زملائك في العمل؛ لأن البعض قد يتخلى عن القيم values عند احتدام المنافسة. الأدهى والأمر عندما تأتيك ممن هم أصدقاء وزملاء عمل في نفس الوقت.

الحل الأمثل لاتقاء النيران الصديقة هو التواضع في وضع سقف التوقعات عن الآخرين في بيئة العمل مهما كانت علاقتك الشخصية أو المهنية بهم حتى لا تصطدم بالواقع. وإن استطعت سبيلا لا تعمل تحت قيادة أصدقائك المقربين؛ لان أحدكما ستمسه النيران الصديقة شاء أم أبى، بقصد أو دون قصد! إلا إذا كان هذا هو الخيار الوحيد ”only choice» لك.

ختاما، حاولنا من خلال هذه الأكسيمورونات تقديم دروس واقعية من بيئة العمل، وكيفية التعامل معها، مما يساعدنا على تجاوزها بأقل الخسائر للأفراد والمؤسسات على حد سواء في حال حدوثها في يوم من الأيام، لا سمح الله.