سالم الكتبي

الحوار الأمريكي ـ الإيراني: لا مفاجآت

الأربعاء - 14 أبريل 2021

Wed - 14 Apr 2021

لا أعتقد أن أحدا من المراقبين والمهتمين بأزمة الملف النووي الإيراني قد فوجئ بالحوار الإيراني ـ الأمريكي (غير المباشر) الذي انعقدت أولى جولاته في فيينا مؤخرا، فالجلوس على مائدة التفاوض كان هدفا ذات أولوية لدى كل من ملالي إيران وإدارة الرئيس بايدن منذ العشرين من يناير الماضي، وما حدث من وقتها من شد وجذب وتصعيد وتهدئة لم يكن سوى مقدمات لتعزيز الموقف التفاوضي لكل طرف قبل التفاوض.

هناك أمور عدة تؤكدها هذه المفاوضات منها أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يزال مشحونا بإرث خبرته السابقة كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما طيلة ثماني سنوات، ولا يزال يؤمن بالاتفاق الكارثي الذي أبرمته تلك الإدارة، ولا يزال يعتقد أنه يمثل أساسا للعلاقات الأمريكية مع نظام الملالي، ومن ثم لا يتوقع أن يسعى لبناء مقاربة استراتيجية جديدة للتصدي للتهديد النووي الإيراني.

الحقيقة التي يصعب إنكارها أن الملالي قد نجحوا في (ترويض) الإدارة الأمريكية الجديدة مبكرا، كما نجحوا في عزلها عن حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط من خلال سلسلة مدروسة من الإجراءات التي تنتهك التزامات إيران الواردة في الاتفاق النووي، فلم يوفروا أي فرصة للرئيس الأمريكي للتفكير ومناقشة الأمر مع هؤلاء الحلفاء، واكتفى بالتقوقع حول نقطة العودة للاتفاق النووي، رغم كل ثغرات الاتفاق، ورغم أن هذه العودة لن تقدم ولن تؤخر في وقف التهديدات الإيرانية، بل تحولت هذه العودة إلى (هدف) تمضي وراءه واشنطن، من دون التفكير في مراحل تالية؛ لأن استراتيجية الملالي قائمة على كسب الوقت في تيقن بقية الأطراف الموقعة على الاتفاق من طي صفحة الانتهاكات ووفاء الملالي بالتزاماتهم الواردة في الاتفاق النووي، وهذه مسألة قد تستغرق وقتا طويلا ربما يقترب من النصف الأول من ولاية الرئيس بايدن!

ثمة أمر آخر هو (هرولة) الإدارة الأمريكية الجديدة وراء إعادة الملالي للاتفاق النووي بأي ثمن، حتى إن بعض المسؤولين الأمريكيين كانوا يشيرون إلى إمكانية تبني خطوات لا تتفق مطلقا مع إعلان الرئيس بايدن عند توليه منصبه عزمه استعادة هيبة الولايات المتحدة ونفوذها العالمي، فالقول بأن (أمريكا عادت) لم يكن يعني بالتأكيد أن القوى العظمى الوحيدة في العالم عادت لتقديم المزيد من التنازلات لملالي إيران! وهذا ما يفسر ـ جزئيا ـ ميل ميزان القوى التفاوضي إلى الملالي وانعكس ذلك في مبادرتهم للقول بأن ممثليهم في فيينا لن يجتمعوا مع الوفد الأمريكي وجها لوجه ما لم تتراجع الولايات المتحدة عن انسحابها من الاتفاق أولا، واعتبر الملالي أن الولايات المتحدة ليس لها دور في المحادثات حتى تعود إلى الاتفاق بشكل رسمي!

والحقيقة أنني لا أجد فارقا كبيرا بين الأمس واليوم، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما يحدث في فيينا لا يختلف كثيرا عن بدايات المفاوضات التي انتهت بتوقيع (خطة العمل المشتركة) في عام 2015، فممثلو بريطانيا وفرنسا وألمانيا يتنقلون بين فندقي الوفدين الإيراني والأمريكي، لتقريب وجهات النظر، في تلك الاجتماعات التي يحضرها أيضا دبلوماسيون روس وصينيون!

السفير الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميكائيل أوليانوف، وصف المحادثات التحضيرية بـ(الناجحة)، وأكد تشكيل لجنتين من الخبراء لبحث إجراءات (المضي قدما)، وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن عمل لجان الخبراء مستمر لبحث (القضايا الفنية) في مجالي رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران والخطوات النووية التي قد تتخذها الأخيرة لإحياء الاتفاق، واتفق المتحدثون جميعهم في أن المحادثات (صعبة) وأن العودة إلى الاتفاق لن تحدث في فترة وجيزة، وهو أمر متوقع بالنظر إلى حرص الملالي على انتزاع ما يطمحون إليه من مكاسب استراتيجية واستغلال (لهفة) الإدارة الأمريكية على تحقيق اختراق ما في أي من ملفات السياسة الخارجية المعقدة.

المبعوث الأمريكي الخاص بإيران، روبرت مالي، قال قبل بداية محادثات فيينا «إن الولايات المتحدة تعرف أن عليها أن ترفع العقوبات التي لا تتناسب مع الاتفاق المبرم مع إيران»، وعندما سُئل المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، عن هذه التصريحات قال «إن الموقف واقعي وواعد»، وأضاف «نحن واثقون بأننا على الطريق الصحيح»، والأمر كذلك بالفعل، فخطى إدارة الرئيس بايدن تمضي وكأنها رسمت بأيدي الملالي، الذين وجدوا أنفسهم أمام سيناريو أحلامهم، فلا توظيف لنتائج العقوبات الصارمة التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على إيران، ولا رغبة في استخدام استراتيجية قائمة على (العصا والجزرة)، بل العودة إلى استراتيجية عام 2015، والبناء عليها مجددا وكأن ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية لم يكن!

لن أقفز إلى نتائج متوقعة لهذه المحادثات، فالمقدمات ـ عادة ـ ما توفر تصورا تقريبيا عن النتائج، التي تكاد تكون معروفة، والمؤكد أن استخدام الإدارة الأمريكية الحالية للاستراتيجية التفاوضية القديمة وإعادة إحيائها، لن يوفر للولايات المتحدة ما فشلت إدارة أوباما في الحصول عليه عام 2015، بل الأرجح أن يمر الوقت وتنتهي الأمور إلى إعادة إنتاج الاتفاق القديم في ثوب جديد!

drsalemalketbi@