سارا الضراب

جودة الحياة بين مفهوم النقمة والمتعة

الاحد - 11 أبريل 2021

Sun - 11 Apr 2021

في واقع الأمر ركزت رؤية المملكة 2030 على مفهوم جودة الحياة أو أحوال المعيشة ‏لكل ما يتمتع به الفرد من مسكن وملبس ومأكل ومشرب، ويتحدد من خلاله مستوى دخله والبيئة التي يعيش فيها، والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها.

وهنا يجب أن نسأل أنفسنا لماذا ركزت رؤية المملكة 2030 على برنامج جودة الحياة ليكون النبراس لها في تحقيق رؤيتها المباركة؟

بما أن مفهوم برنامج جودة الحياة هو السلامة العامة للأفراد والمجتمعات، مع تلخيص السمات السلبية والإيجابية في الحياة، فإن استراتيجية رؤية المملكة تحاول من خلال هذا البرنامج وتطبيقاته ومعاييره المختلفة رصد الرضا عن الحياة بالمملكة للمواطنين والمقيمين على السواء بما في ذلك الصحة الجسدية، والعائلية، والتعليم، والتوظيف، والثروة، والأمان، وضمان الحرية، والمعتقدات الدينية، والبيئة.

وتسعى قيادة المملكة الرشيدة متمثلة في سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان مهندس الرؤية والذي يسعى بكل قوة وعزيمة لتطبيق مفهوم برنامج جودة الحياة في كافة مجالات التنمية الشاملة بالمملكة، ومنها مجالات الرعاية الصحية والتعليمية والنفسية والاقتصادية والسياسية والتوظيفية وغيرها.

في هذا الصدد يجب أن نفرق بين مفهوم جودة الحياة ومستوى المعيشة، إذا كنا نريد أن نحقق ما نتمناه بالنسبة لمفهوم الجودة الشاملة للحياة فكيف يحدث ذلك؟

قد يرى البعض أن مفهوم جودة الحياة يجب أن يعتمد بصورة أساسية على دخل الفرد وما يحققه من مكاسب في حياته وهذا مفهوم قاصر جدا ولا يعبر عن المستهدف من برنامج جودة الحياة الذي تعتمد عليه رؤية المملكة 2030.

حيث إن استراتيجية المملكة 2030 تعتمد في آلياتها على عدد من المعايير القياسية لجودة الحياة مثل الثروة والتوظيف وتحقيق البيئة الثابتة، والصحة الجسدية والعقلية، والتعليم، والاستجمام ووقت الفراغ، والانتماءات الاجتماعية. وذلك لتحقيق الفرد الذي يعيش على هذه الأرض حياة تليق به وبالحضارة العظيمة التي يمثلها فتسعى المملكة ليعيش أفرادها (مواطنين / مقيمين) بطريقة لائقة تكفل الحفاظ على إنسانيتهم وأمانهم الشخصي، وأمان أسرتهم وحمايتهم من كافة أنواع التهديدات التي من الممكن أن يتعرضوا إليها مثل: البطالة،

والمرض، والتعرض للعاهات، وغيرها.

فالقيادة الحكيمة للمملكة ترى أنه من حق الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض الطيبة التمتع بمفهوم جودة الحياة الشاملة، ويأتي ذلك من خلال تبنى القوانين الدولية، لتحقيق المفهوم الشامل وتحض عليه المنظمات العالمية وتتبناه المملكة لتحقيق برنامج جودة الحياة المطلوبة على أراضيها، ومن هذا المنطلق فقد حدد مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية اثني عشر برنامجا ذات أهمية استراتيجية للمملكة من أجل تحقيق الأهداف التي تضمنتها رؤية 2030، وعن طريق هذه البرامج الاثني عشر يتم تحقيق برنامج جودة الحياة، والذي يركز بشكل أساسي على جعل المملكة أفضل وجهة للعيش للمواطنين والمقيمين على حد سواء.

وعلى هذا الأساس تحاول المملكة تطبيق برنامج جودة الحياة المتضمن في رؤيتها المستقبلية، وذلك لتغيير الأنماط المجتمعية نحو تغيير المفهوم السائد تجاه ثقافة الطعام التي تعتمد بشكل أساسي على مفهوم خاطئ بشكل كبير وهو:

أننا «نحيا لنأكل»!

هذا المفهوم وللأسف الشديد يسود بين عدد من الأفراد بالمجتمع حتى إنه أصبح عند البعض من أساسيات الحياة التي لا يمكن الاستغناء عنها وهذا ما تحاربه استراتيجية برنامج جودة الحياة حيث إنها حددت هدفا لحياة الفرد والجماعة بمعنى أن أجسامنا تحتاج لنسبة معينة من الأكل، أما الباقي فهي عبارة عن دهون ومواد ضارة غير مفيدة، وأننا إذا تناولنا هذه النسبة الكبيرة من الطعام الضارة فإننا لا نستفيد منه شيئا، وفي مرحلة ما نفقد الاستمتاع بالطعام ويصبح الطعام نقمة وليس متعة.

بلا شك فإن التعامل مع الطعام يبدأ بالسلوك الخاطئ، وهذا ما يحض عليه مشروع التخمة الغذائية أننا «نحيا لنأكل» وهذا يؤثر بكل تأكيد على صحة الإنسان بصورة كبيرة من خلال حساب متوسط العمر المتوقع له كذلك معدل السمنة على مدى زمني محدد، مما يؤثر على

زيادة نسبة انتشار مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين وغيرها من الأمراض المزمنة.

لكن كيف لو غيرنا هذا المفهوم وتعاملنا معه بالوضع المعكوس بمعنى: ماذا لو جعلنا من الأكل متعة حقيقية بتناول السعرات الحرارية التي تحتاجها أجسامنا فقط؟! فنتعامل مع الطعام باعتدال وتهذب بمعنى أنني أتناول الطعام مرة كل فترة أو أنني لا آكل بشراهة لكن بتذوق ومتعة .. فمتعة الطعام تكمن في تذوقه والاستمتاع بطعمه وليس الوصول إلى مرحلة الشبع والتخمة.

هذا ما يخص الأفراد العاديين لكن هناك فئة من المجتمع يجب أن يكون لها مفهوم آخر مفهوم لبرنامج جودة الحياة، ألا وهم رجال الأعمال والمستثمرون الناجحون حيث إن متعة الحياة بالنسبة لهم تعتبر من أساسيات النجاح في الحياة العملية، لذلك يجب عليهم التركيز على الأكل الصحي الذي له فوائد جمة وله تأثير إيجابي على إنتاجهم ونشاطهم حتى يرفع معه معدل جودة حياتهم، وهنا يجب عليهم تغيير ثقافتهم الاجتماعية نحو الطعام حتى يتم رفع جودة حياتهم مع تغيير النظرة لجودة الحياة بالنسبة لهم وكذلك للعاملين معهم، وليتم تعديل المفهوم من نحيا حتى نأكل إلى نأكل حتى نحيا.

في الختام.. يجب أن نعرف ماهية برنامج جودة الحياة الذي يسعى لتحسين نمط الحياة للفرد من خلال الترفيه والفنون والرياضة والثقافة، وهذا مفهوم جوهري لتطوير استراتيجية وخطة تنفيذه من خلال التوسع في نطاقه ليشمل جميع نواحي الحياة بشكل كبير، لتحقيق البرنامج الأشمل لجودة الحياة والمتفق مع أهداف رؤية المملكة 2030 بإذن الله.

S_Darrab@