وليد الزامل

المبادئ الأخلاقية في التخطيط .. الاستدامة أولا

السبت - 20 مارس 2021

Sat - 20 Mar 2021

تعكس النظرية الأخلاقية القيمية نظرة المُخطط أو متخذ القرار، حيث يتم تطوير السياسات من أعلى الهرم إلى أسفله لتُفرض على المجتمع وفق قيم وأهداف المُخطط بغض النظر عن مدى ملاءمتها للمجتمع وتطلعاته!

إن اتخاذ القرارات دون مدخلات مستنيرة سوف يؤدي إلى إنتاج أنماط عمرانية لا تتلاءم مع احتياجات المجتمع.

ونتيجة لذلك، يتجه المجتمع لمقاومة هذه النماذج، بل ومحاولة تكييفها لملاءمة احتياجاته، وقد يحاول الجهاز التخطيطي في المدينة وبشكل متأخر أن يتماشى مع هذه الاحتياجات بإدخال تعديلات أو معالجات على المخططات السكنية القائمة أو إعادة تقسيمات الأراضي أو مسارات الحركة أو حتى إعادة تنظيم الضوابط والاشتراطات البلدية تماشيا مع متطلبات المجتمع واقتصاديات السكان.

إن هذه المدخلات الإضافية تأتي في الحقيقة كردة فعل نتيجة لقصور في استيعاب كافة المتغيرات المؤثرة في الخطة. لذلك، فهي مدخلات مؤقته تعمل على تخفيف المشكلة حيث تتم معالجة السرعة داخل الأحياء السكنية بإضافة المطبات الصناعية، وتتحول بعض الأراضي السكنية إلى خدمات تعليمية أو العكس، وتختفي الحدائق لتحل محلها الوحدات السكنية وفقا للاحتياج الآني، في حين يتم تمديد شبكات المرافق بعد تنفيذ الوحدات السكنية والشوارع.

وفي الجانب الآخر، تركز النظرية النفعية على أن التخطيط الأخلاقي هو الذي يحقق العوائد للسواد الأعظم من المجتمع. إنها في معظم الأحوال تنحو من منطلقات اقتصادية لتلبي احتياجات المستثمرين أو أصحاب النفوذ أو الفئات المهيمنة.

إن اتخاذ القرارات وفقا لذلك يخضع للمردود أو العوائد النفعية على معظم الناس ولكنها في المقابل قد تنعكس سلبا على الفئات الاجتماعية المهمشة.

وقد يصاحب اتخاذ مثل هذه القرارات النفعية عوائد اقتصادية ضخمة على المدى القصير لترتد سلبيا على المدى الطويل. تتضرر فئات محددة من القرارات النفعية لأن هذه القرارات تركز على الإطار الجمعي عند حساب العوائد المكتسبة.

إن المتتبع الحصيف لتاريخ التطور العمراني الذي شهدته المملكة العربية السعودية خلال العقود الماضية يدرك حجم الجهود التي بُذلت من الأجهزة البلدية لمواكبة المتغيرات الاقتصادية التي أثرت على تخطيط المدن.

لقد تطلبت المرحلة التنموية السريعة التي شهدتها المملكة العربية السعودية منذ فتره السبعينات الميلادية توفير الإسكان والخدمات والبنية التحتية استجابة للنمو السكاني، وعليه فقد تسارعت عجلة البناء والعمران لسد الفجوة في الطلب.

فمنذ خطة التنمية الأولى (1970) وُضعت العديد من الأهداف لضمان التوزيع العادل للخدمات والموارد الاقتصادية. لقد توسعت البرامج الصحية والتعليمية استجابة لاستيطان البادية، واقتضت تلك المرحلة التركيز على الخدمات الصحية العلاجية وزيادة نسبة العاملين في قطاع الصحة. كما استهدفت الخطة « توسيع شبكة الكهرباء وإنارة معظم المدن والقرى التي يزيد عدد سكانها على 2000 نسمة، واستثمار أقصى قدر ممكن من رأس المال لإقامة مشاريع إنارة الريف». أما شبكات المياه فكان إيصالها إلى جميع المدن والقرى يشكل تحديا كبيرا، حيث وضعت خطة التنمية الأولى هدف استراتيجي يتمثل «بإتمام تمديد الأنابيب الناقلة للمياه إلى المدن الكبرى، وتنمية وترميم 550 بئرا في القرى الصغيرة، واستكمال إنشاء محطات تحلية المياه».

واليوم، وفي ظل توجهات الرؤية الوطنية 2030، أصبحت الحاجة ماسة إلى مراجعة الواقع العمراني في المدن السعودية، واستنباط الدروس المستفادة من التجارب السالفة تحقيقا لمتطلبات جودة الحياة وأنسنة المدن. وعليه تتطلب هذه المرحلة تطوير سياسات عمرانية تعكس احتياجات المجتمع وتعزز مشاركته للوصول إلى منتج عمراني مستدام.

@waleed_zm