صورة بألف عنوان.. لكن أين الصدى؟
الأربعاء - 10 مارس 2021
Wed - 10 Mar 2021
خلف كل صورة صوت وصدى، في التوقيت والمكان والألوان والأهم أصحابها. هذا ما حاولت جاهدا التقاطه عندما تناقلت وسائل الإعلام صورة اللقاء بين بابا الفاتيكان فرنسيس والمرجع الأعلى الإمام السيستاني في مدينة النجف العراقية حيث مقر المرجعية الشيعية. صورة تفيض بالقضايا السياسية والدينية والثقافية. جمعت رجلين على أرض يسودها الفساد في زمن ملطخ بدماء الأبرياء. عناوين فوق عناوين لصورة يستحقها العراق دون أدنى شك.
بين زحمة القضايا والعناوين بحثت عن صوت وصدى هذه الصورة.
متقلبا بين الأثاث المتواضع والحائط الفقير من أي لوحة زيتية أو أيقونات دينية محاولا فك شيفرة رواية اللقاء. انتقلت بعدها إلى لون ملابس الرجلين. اللون الأبيض هو اللباس التقليدي للحبر الأعظم، بينما مساعدوه يتشحون بلباسهم الأسود. على العكس تماما عند السيد السيستاني، حيث اللون الأسود والعمامة السوداء للرجل التسعيني دلالة تتخطى الألوان إلى المكانة الدينية والانتساب.
تأملت المكان الذي التقى عليه الرجلان. من على البوابة الشرقية للعرب التي لا تزال مشرعة أمام التدخلات الخارجية جلس الرجلان وسط فوضى الفراغ، الفراغ الذي ولد من رحم احتلال القوات الأمريكية لبغداد عام 2003. ليطلق بعد هذا الحدث الزلزال عصر الفتنة والظلام في العراق والمنطقة، عندها استدعت كل الجيوش إلى بلاد الرافدين من إرهاب وعسكر وميليشيات، بينما الأدوار في الشأن العام لا تزال مختلطة، رجال السياسة يتكلمون في الدين استقطابا، ورجال الدين يتكلمون بالسياسة إرهابا، معلنة تحول العراق من دولة البعث إلى دولة الطوائف. وذلك أشد مضاضة من وقع الحسام الصدامي.
لكن الصورة لم تتكلم بعد. لا بد أن هناك صدى لهذه الصورة، قلت في نفسي ممتعضا من عدم قدرتي على اكتشافها. صدى سياسي واقتصادي واجتماعي يستحقه أهل العراق المكلوم.
تذكرت مقولة الكاتب والروائي المصري الحائز جائزة نوبل للأدب نجيب محفوظ حين قال «إن الرواية تعتبر منجزة بعد كتابة أول سبعة كلمات منها».
لعله كان يقصد أن صوت كل رواية في صداها كالصور.
واصلت متابعة الحدث متخطيا حاجز السبع كلمات بكثير مع تراكم الأسئلة حول الصورة، لم أسأل إن كان لدى أصحاب الصورة الرغبة في إنهاء المأساة العراقية المستمرة لأكثر من ثلاثة عقود، بالرغم من أنني أتوقع ذلك، لكنني تساءلت إن كان لديهم القدرة على إنهاء المأساة الإنسانية التي تحولت إلى ملهاة سياسية؟ فالرغبة شيء والمقدرة شيء آخر.
تساءلت إن كان للصورة صدى أسعف في إيقاف انهيار القوة الشرائية لأهل العراق الغني بالثروات الطبيعية؟ لم أجد تصريحا أو تلميحا عن التحديات الاقتصادية تم مناقشتها.
لربما قلت مستفسرا إن كان لدى الصورة طاقة لإنهاء الحرب الباردة على أرض الرافدين بين واشنطن وطهران؟ أو على الأقل صنع هدنة بين الفرقاء في البلد الواحد؟ وبناء دولة مدنية تحمي حقوق الط
وائف وليس طائفة بذاتها؟ غير أن الواقع يشي بانقسام أعمق على المستقبل والخيارات العراقية.
أتمنى أن تنجح الصورة في سكب الماء على نار العراق المحترقة، النار التي لا تفرق بين مسلم أو مسيحي، ولا بين سني أو شيعي، هي نار تأكل الحضارة والبراءة ومعها المستقبل لكل المنطقة. لكن الصورة لم تستنطق أحدا بذلك، اكتفت التصريحات على الترحيب والأخوة الإنسانية والدعاء بالسلام، هذه رغبات مشكورة ذوو قيمة عالية في التضامن الإنساني إلا أنها تظل بعيدة عن الواقع السياسي المعقد.
الواقع الذي يقول إن الرغبة لا تكفي، وإن القدرة هي التي تستطيع تنفيذ الرغبات، هذا هو الصوت الحقيقي اليوم للأسف في منطقتنا المكبلة بالتدخل الخارجي. متى ما تتحول رغبة الرجلين في الصورة إلى مصالح سياسية عند مراكز القوى الدولية لن يعود هناك صمت يحيط بالصورة. نحن أمام ملفات سياسية بالغة التعقيد تتخطى الصورة وملحقاتها.
لنتخيل لو أن هذه الصورة أخذت وإيران لا تملك برنامجها النووي؟ أو أن العراق لم يكن قد احتل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية؟
بحثت في التاريخ لعلي أجد الجواب، فوجدت صورة بألف عنوان وصوتا لا يزال يسمع صداه، مباشرة قفزت أمامي مقولة الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين جاهزة بكل ما تحلمه من غطرسة وتعال، أثناء مؤتمر يالطا 1945، مؤتمر نهاية الحرب العالمية الثانية، أخبر رئيس وزراء بريطانيا تشرتشل المجتمعين من القوى العظمى بأن بابا الفاتيكان قد أعلن الحرب على هتلر أيضا (الصورة)، فأجاب ستالين ساخرا «قل لي كم دبابة يملك باب الفاتيكان؟» (الصوت).
لن يحسم التاريخ رأيه في الصورة التي جمعت الحبر الأعظم والإمام المرجع مباشرة، والأكيد أن الصورة ستنضم إلى ألبوم العراق الحزين ما دام هناك طائفية سياسية تمارس، وتسييس للدين يستقطب، ونفط ينتج لتمويل الفساد لا بناء البلاد. اليوم لا صوت ولا صدى لدى الصورة، في حين روايتها تدفن تحت جبل من التحليلات والتمنيات. الصورة عصية لا تنطق ولا تستنطق، ستظل خلف قضبان الصمت المطوب بأعلى المرجعيات الدينية في هذا العصر. أما نحن فلنتقبل الدعاء والنصيحة على أمل أن نسمع صوتا عاقلا من بلاد الرافدين.
بين زحمة القضايا والعناوين بحثت عن صوت وصدى هذه الصورة.
متقلبا بين الأثاث المتواضع والحائط الفقير من أي لوحة زيتية أو أيقونات دينية محاولا فك شيفرة رواية اللقاء. انتقلت بعدها إلى لون ملابس الرجلين. اللون الأبيض هو اللباس التقليدي للحبر الأعظم، بينما مساعدوه يتشحون بلباسهم الأسود. على العكس تماما عند السيد السيستاني، حيث اللون الأسود والعمامة السوداء للرجل التسعيني دلالة تتخطى الألوان إلى المكانة الدينية والانتساب.
تأملت المكان الذي التقى عليه الرجلان. من على البوابة الشرقية للعرب التي لا تزال مشرعة أمام التدخلات الخارجية جلس الرجلان وسط فوضى الفراغ، الفراغ الذي ولد من رحم احتلال القوات الأمريكية لبغداد عام 2003. ليطلق بعد هذا الحدث الزلزال عصر الفتنة والظلام في العراق والمنطقة، عندها استدعت كل الجيوش إلى بلاد الرافدين من إرهاب وعسكر وميليشيات، بينما الأدوار في الشأن العام لا تزال مختلطة، رجال السياسة يتكلمون في الدين استقطابا، ورجال الدين يتكلمون بالسياسة إرهابا، معلنة تحول العراق من دولة البعث إلى دولة الطوائف. وذلك أشد مضاضة من وقع الحسام الصدامي.
لكن الصورة لم تتكلم بعد. لا بد أن هناك صدى لهذه الصورة، قلت في نفسي ممتعضا من عدم قدرتي على اكتشافها. صدى سياسي واقتصادي واجتماعي يستحقه أهل العراق المكلوم.
تذكرت مقولة الكاتب والروائي المصري الحائز جائزة نوبل للأدب نجيب محفوظ حين قال «إن الرواية تعتبر منجزة بعد كتابة أول سبعة كلمات منها».
لعله كان يقصد أن صوت كل رواية في صداها كالصور.
واصلت متابعة الحدث متخطيا حاجز السبع كلمات بكثير مع تراكم الأسئلة حول الصورة، لم أسأل إن كان لدى أصحاب الصورة الرغبة في إنهاء المأساة العراقية المستمرة لأكثر من ثلاثة عقود، بالرغم من أنني أتوقع ذلك، لكنني تساءلت إن كان لديهم القدرة على إنهاء المأساة الإنسانية التي تحولت إلى ملهاة سياسية؟ فالرغبة شيء والمقدرة شيء آخر.
تساءلت إن كان للصورة صدى أسعف في إيقاف انهيار القوة الشرائية لأهل العراق الغني بالثروات الطبيعية؟ لم أجد تصريحا أو تلميحا عن التحديات الاقتصادية تم مناقشتها.
لربما قلت مستفسرا إن كان لدى الصورة طاقة لإنهاء الحرب الباردة على أرض الرافدين بين واشنطن وطهران؟ أو على الأقل صنع هدنة بين الفرقاء في البلد الواحد؟ وبناء دولة مدنية تحمي حقوق الط
وائف وليس طائفة بذاتها؟ غير أن الواقع يشي بانقسام أعمق على المستقبل والخيارات العراقية.
أتمنى أن تنجح الصورة في سكب الماء على نار العراق المحترقة، النار التي لا تفرق بين مسلم أو مسيحي، ولا بين سني أو شيعي، هي نار تأكل الحضارة والبراءة ومعها المستقبل لكل المنطقة. لكن الصورة لم تستنطق أحدا بذلك، اكتفت التصريحات على الترحيب والأخوة الإنسانية والدعاء بالسلام، هذه رغبات مشكورة ذوو قيمة عالية في التضامن الإنساني إلا أنها تظل بعيدة عن الواقع السياسي المعقد.
الواقع الذي يقول إن الرغبة لا تكفي، وإن القدرة هي التي تستطيع تنفيذ الرغبات، هذا هو الصوت الحقيقي اليوم للأسف في منطقتنا المكبلة بالتدخل الخارجي. متى ما تتحول رغبة الرجلين في الصورة إلى مصالح سياسية عند مراكز القوى الدولية لن يعود هناك صمت يحيط بالصورة. نحن أمام ملفات سياسية بالغة التعقيد تتخطى الصورة وملحقاتها.
لنتخيل لو أن هذه الصورة أخذت وإيران لا تملك برنامجها النووي؟ أو أن العراق لم يكن قد احتل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية؟
بحثت في التاريخ لعلي أجد الجواب، فوجدت صورة بألف عنوان وصوتا لا يزال يسمع صداه، مباشرة قفزت أمامي مقولة الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين جاهزة بكل ما تحلمه من غطرسة وتعال، أثناء مؤتمر يالطا 1945، مؤتمر نهاية الحرب العالمية الثانية، أخبر رئيس وزراء بريطانيا تشرتشل المجتمعين من القوى العظمى بأن بابا الفاتيكان قد أعلن الحرب على هتلر أيضا (الصورة)، فأجاب ستالين ساخرا «قل لي كم دبابة يملك باب الفاتيكان؟» (الصوت).
لن يحسم التاريخ رأيه في الصورة التي جمعت الحبر الأعظم والإمام المرجع مباشرة، والأكيد أن الصورة ستنضم إلى ألبوم العراق الحزين ما دام هناك طائفية سياسية تمارس، وتسييس للدين يستقطب، ونفط ينتج لتمويل الفساد لا بناء البلاد. اليوم لا صوت ولا صدى لدى الصورة، في حين روايتها تدفن تحت جبل من التحليلات والتمنيات. الصورة عصية لا تنطق ولا تستنطق، ستظل خلف قضبان الصمت المطوب بأعلى المرجعيات الدينية في هذا العصر. أما نحن فلنتقبل الدعاء والنصيحة على أمل أن نسمع صوتا عاقلا من بلاد الرافدين.