زيد الفضيل

معركة الوعي يا وزير الإعلام

السبت - 20 فبراير 2021

Sat - 20 Feb 2021

أزعم أن أهم معركة يمكن أن يخوضها الإنسان في حياته هي معركة الوعي؛ الوعي بذاته، الوعي بأفكاره، بقدراته، بمجتمعه، بمحيطه الإنساني. ولا أظن الأمر سهلا كما يتخيل البعض، وإلا لما عاش الكون في إشكال مستمر حتى اليوم.

ويمكن تعريف الوعي في أساسه المحايد بأنه: ذلك الفهم الناتج عن المحصول المعرفي الذي ينضوي عليه عقل الإنسان، بالإضافة إلى وجهات النظر المتعلقة بالمفاهيم المتنوعة حول مختلف القضايا الحياتيّة والمعيشيّة؛ والوعي في هذه الحالة قد يكون إيجابيا أو زائفا، وفقا لطبيعة وهوية المحصول المعرفي الذي يتعرض له عقل الإنسان وينضوي تحت لوائه، ولهذا فالفيصل بينهما يعتمد على مدى امتلاك المرء لأدوات التفكير الناقد التي بموجبها يكون قادرا على التحليل والمقارنة والاستيعاب للتخلص من التأثير السلبي للوعي الزائف، وبلوغ حقيقة الوعي الإيجابي الذي به ينهض وينهض مجتمعه.

والسؤال المطروح هو: ما الأدوات التي يتشكل بها ومعها وعي الإنسان؟

لا شك أن مؤسسات التعليم العام والعالي، ومنابر الخطاب الديني والثقافي، كانت ولم تزل هي القاعدة الأساس التي يتشكل من خلالها وعي الإنسان، وبالتالي فقد كانت منابر الإعلام المتنوعة (مرئية ومسموعة ومقروءة) تابعة لها من حيث الجودة والعمق المعرفي، فالمقدمات تدل على النتائج كما يقول الأصوليون.

وأزعم أن ذلك قد استمر حتى العقد الأخير من القرن الـ 20م، لكن سياق ذلك قد أخذ في التغير مع ابتداء القرن الـ 21م، جراء توسع الفضاء بقنواته المرئية والمسموعة، وضمور صور الإعلام المقروء، ثم تحول المجتمع صوب وسائط التواصل الاجتماعي التي ساهمت في تعويم المعرفة، وعززت من تصدر التافهين وفق قانون نظام التفاهة للكاتب الكندي ألان دونو.

أشير إلى أن أزمة صناعة التفاهة لم تكن قاصرة على مجتمعنا العربي وحسب، بل شاعت آثارها على صعيد العالم الثالث بوجه عام، ولم ينج من تبعاتها سوى تلك المجتمعات المتطورة التي تمكنت من المواءمة بين احتياجاتها الصادقة لبلوغ النهضة، ورغبات النفس الضعيفة المعززة لثقافة التفاهة في الوقت ذاته، ولعل ذلك هو ما دعا المفكر الفرنسي روجيه جارودي ليحذر من فهم الحداثة بشكل خاطئ ولا سيما في العالم النامي حين قال: «إن الحداثة هي الخطر الأعظم على البشرية».

ولعل جارودي كان يدرك بوعيه الكامل أن مجتمعاتنا النامية ستُقبل على الحداثة في شكلها المادي الرأسمالي فقط، وستتلامس مع أفكارها في منحى حدي مع الموروث باعتباره ماضيا يجب التخلص منه، وهو للأسف ما كان ويكون في واقعنا العربي بوجه عام.

فالحداثة في وعينا قد تمظهرت في حرب ضروس بين مفهومين حديين، أحدهما ينادي باستنساخ ما سبق والسير عليه دون النظر إلى متغيرات العصر وما تستلزمه النوازل الحديثة من رأي واجتهاد معاصر، وآخر ينادي بهدم كل الموروث وحرق الكتب الصفراء كما ينعتها، والانطلاق في مفاهيم متجددة طابعها النسق الحداثي الغربي بوجه خاص، لكون ذلك مفتاحا لولوج عوالم الألفية الجديدة وفق تصوره. وكان أن أدى الصراع بين المفهومين إلى ضمور مساحة الوعي الصحيح الذي كان يجب أن نهتم به ونعمل على تثبيته في أذهان أجيالنا، والنتيجة ما نحن عليه اليوم من وضوح تيه في المخرجات، وانفلات في المعطيات بعيدا عن هذا وذاك.

في هذا السياق يجدر بنا أن نتأمل ملامح التجربة اليابانية على وجه الخصوص، ذلك المجتمع الذي اقتحم عوالم الألفية المعاصرة بل وبات قائدا لها، وفي الوقت ذاته لم يتخل عن هويته ومكونه المعرفي الأصيل المشكل لملامح وعيه الإيجابي بعيدا عن أي زيف وتضليل، فهو لا يزال متمسكا بموروثه البدائي كاللغة وأسلوب الكتابة، ومحافظا على عِصي الأكل حال تناوله الطعام، مع إيمانه بقيمه المجتمعية الأخرى، ودون أن يستشعر أي نقص أو خجل أمام القوى الغربية التي سبقته تقدما وعصرنة بالمفهوم المادي.

أخيرا، كم أرجو ونحن نعيش هذا العهد الزاهر من الانفتاح بقيادة سمو ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان أن يهتم القائمون على الإعلام، والمسموع منه على الوجه الخصوص، بتعزيز ملامح وأطر الوعي الإيجابي في أذهان مستمعيهم، عبر تحقيق خاصية التنوع في وجباتهم البرامجية على أقل تقدير، فالحياة ليست غناء وبرامج تتمحور حول أسماء الأغاني والمغنين، وليست محصورة في برامج رياضية متخصصة تستنزف أسماعنا في تتبع أحوال اللاعبين وما جرى ويجري في محيطهم، بل هي أيضا علوم ومعارف، وشخصيات وطنية نابغة في مختلف المجالات، وهي ثقافة ومعرفة أصيلة، وكل ذلك يحتاجه الوطن الصاعد وهو يمشي قدما لتحقيق رؤية 2030. فهل سينتصر الوطن في معركة وعيه يا وزير الإعلام؟

zash113@