أحمد محمد الألمعي

لقاح كورونا.. بين الحقيقة والخرافات!

السبت - 20 فبراير 2021

Sat - 20 Feb 2021

لا تزال نظريات المؤامرة والمعلومات الخاطئة حول لقاح فيروس كورونا تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وانستقرام، وذلك بعد عدة شهور من تعهد شركة فيس بوك بإزالة تلك المعلومات الخاطئة والمغلوطة.

وتعد المنطقة العربية والخليج والمملكة العربية السعودية تحديدا، من الدول التي يصنف سكانها كأكثر شعوب العالم استخداما لوسائل التواصل الاجتماعي، وبالذات تطبيق الواتس اب. وقد تابع كثير منا في الشهور الماضية سيلا من مقاطع الفيديو من أشخاص يدعون العلم بحقائق غير منشورة عن اللقاحات وشركات الأدوية، وادعى بعضهم بأنه طبيب وكان لهم نصيب من الظهور في بعض وسائل الإعلام الغربية.

شركات الأدوية عديمة الرحمة!

ويسرد هؤلاء الأشخاص، معلومات قديمة عن التاريخ الأسود لبعض شركات الأدوية والممارسات المخيفة التي قامت بها في الماضي في سبيل تحقيق أرباح خيالية، بما في ذلك إخفاء بعض الآثار الجانبية للعقاقير الطبية.

وقد انتشرت هذه الممارسات من قبل شركات الدواء ما بين الستينات والتسعينات من القرن الماضي.

ولكن مع تغير أساليب البحث العلمي والرقابة والغرامات الخيالية من قبل هيئات الغذاء والدواء والتي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات ومنع أو حد استخدام العقار المسوق، بالإضافة إلى الدعاوى القانونية التي أنهكت شركات الأدوية وكلفتها في بعض الأحيان مليارات الدولارات، أدى كل ذلك إلى ممارسات أكثر حذرا واعتدالا من قبل شركات الأدوية، لعلمها أن أي خطأ أو مضاعفات من منتجاتها الدوائية قد تكلفها مئات الملايين غرامات وتعويضات للضحايا والمحامين الذين أصبحوا يتصيدون مثل هذه الأخطاء والممارسات بهدف الربح المادي، بل ونشأ نتيجة لذلك فرع من ممارسة القانون يختص برفع قضايا التعويض الطبية من قبل محامين تشمل مؤهلاتهم التخرج من كليات الطب أوالتمريض بالإضافة إلى شهادة القانون.

المدعون والتشخيص الطبي

ويدعي أصحاب تلك الفيديوهات والمقابلات التليفزيونية جملة من الادعاءات كلها تصب في نظرية المؤامرة، بدءا من كون هذه اللقاحات تسبب تسمما وأمراضا للبشر، وتنتهي ببعض الخرافات من أفلام الخيال العلمي، مثل كون هذه اللقاحات تحتوي على رقاقات كمبيوتر تدخل أجسام وعقول البشر بهدف التحكم فيهم، وتسييرهم لأهداف معينة يضعها من يحكم العالم حسب هذه الروايات! في مجال الطب النفسي، مثل هذه الادعاءات قد تؤدي إلى تشخيص وتتطلب علاجا نفسيا، لأن تلك الأعراض عادة ما توجد في المرضى النفسيين ممن يعانون من الذهان أو اضطراب المزاج ثنائي القطبين.

الحرب مع الادعاءات

وتحت ضغوط لاحتواء ذاك الوابل من الأكاذيب والمعلومات الخاطئة، فقد أعلنت فيس بوك في 3 ديسمبر أنها ستحظر الافتراءات والأكاذيب التي تم فضحها حول سلامة وفعالية اللقاحات التي يتم توزيعها الآن في جميع أنحاء العالم. قالت الشركة إنها أزالت أكثر من 12 مليون محتوى من Facebook وInstagram بين شهري مارس وأكتوبر، وأنها عملت مع المحققين لوضع ملصقات على 167 مليون قطعة أخرى من المحتوى خلال الفترة نفسها.

ولكن الباحثين يقولون إن الحسابات الكبيرة على فيسبوك، التي لبعضها أكثر من نصف مليون متابع ولها تاريخ طويل في الترويج للأكاذيب، لا تزال تنشر علانية منشورات جديدة تشكك في اللقاح.

وفي الوقت نفسه، يواصل مناهضو التطعيم البارزون الذين تم حظرهم من Facebook نشر معلومات خاطئة لمئات الآلاف من الأشخاص على Instagram، الذي يمتلكه Facebook.

تقول شبكة التواصل الاجتماعي أنها حدت من وصول بعض صفحات الفيسبوك البارزة المناهضة لاستخدام اللقاحات، وأن القليل من الناس يرون بعض المعلومات الخاطئة الأخيرة عن فيروس كورونا.

لكن خبراء الكشف عن المعلومات المضللة يقولون إن تصرفات المنصة ليست كافية ومتأخرة في كثير من الأحيان.

في التقارير الصادرة في ديسمبر الماضي، جادل مركز مكافحة الكراهية الرقمية (Center for Countering Digital Hate : CCDH)، الذي تابع عن كثب النمو السريع لحركة مكافحة اللقاحات أثناء الوباء، بأن الوقت قد حان لأن تتخذ منصات التكنولوجيا إجراءات أكثر قوة وفعالية مثل تفكيك الملفات الشخصية والصفحات والمجموعات الخاصة بهؤلاء الأفراد والحرمان الدائم من الخدمة.

المعلومات الخاطئة نفسهافي منصات متعددة

حتى قبل جائحة فيروس كورونا، كانت منظمة الصحة العالمية قد وصفت «التردد في أخذ اللقاحات» – أي الإحجام عن الحصول على اللقاحات حتى عندما تكون متاحة - كواحد من أكبر 10 تهديدات للصحة العالمية.

يقول الخبراء إنه خلال العام الماضي حدث تصعيد مقلق للحركة المناهضة للقاحات التي انتشرت بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث استخدم نشطاء مناهضون للتطعيم مجموعات الفيس بوك الخاصة لإقناع الأمهات بعدم تطعيم أطفالهن، ولتنسيق حملات المضايقات على وسائل التواصل الاجتماعي ضد الأطباء الذين يشرحون الفوائد الطبية للقاحات. ولتشابه أشهر الحملات السلبية في تسعينات القرن الماضي ممن ادعى أن تطعيم الأطفال الثلاثي MMR يسبب التوحد، وقد أثبت خطأ هذا الادعاء في عدة دراسات طبية.

وقد اكتسبت الحسابات الرئيسية المضادة للقاحات على منصات التواصل الاجتماعي أكثر من 10 ملايين متابع جديد منذ عام 2019، بمن في ذلك 4 ملايين متابع إضافي على Instagram ومليون على Facebook، وفقا لتحليل أجراه مركز مكافحة الكراهية الرقمية.

لقد مر لقاحا Pfizer وModerna مثلا المصرح بتوزيعهما في الولايات المتحدة في ديسمبر الماضي بسلسلة من التجارب السريرية الصارمة، وتلقى أكثر من 15000 فرد هذا اللقاح في المرحلة النهائية من هذه الاختبارات، ووجد أن كلا اللقاحين فعالان بنسبة تزيد على 90% في الوقاية من فيروس كورونا، وبدون مخاوف خطيرة تتعلق بالسلامة.

منذ أن بدأ توزيع اللقاحات، كان هناك عدد قليل من حالات ممن أصيبوا بنوع من الحساسية من اللقاح، لكن هذه الحوادث لم تكن خطيرة. تتم مراقبة جميع التفاعلات العكسية المحتملة للقاحات عن كثب، كجزء من بروتوكول مكثف ومستمر للتحقق من أن اللقاحات الجديدة آمنة.

لكن الجدول الزمني السريع والضغط السياسي المكثف لإنتاج لقاح لفيروس كورونا ترك الناس في جميع أنحاء العالم يتساءلون عما إذا كان ينبغي عليهم الوثوق باللقاحات الجديدة والبحث عن إجابات صادقة، وهو موقف كانت المجموعات المناهضة لتناول اللقاح على استعداد جيد لاستغلاله.

استغلال مخاوف الجمهور

في أكتوبر الماضي، عقد نشطاء بارزون مناهضون للقاحات مؤتمرا خاصا عبر الإنترنت لوضع استراتيجية حول كيفية استغلال مخاوف الجمهور خلال جائحة فيروس كورونا لنشر الشكوك حول اللقاحات، وفقا لـ CCDH (مركز مكافحة الكراهية الرقمية )، الذي وثق خطابات المؤتمر والمحادثات في تقرير ديسمبر.

في المؤتمر، لخص ديل بيجتري Del Bigtree، وهو ناشط أمريكي بارز في مناهضة التطعيم، استراتيجية من ثلاث نقاط لتقويض إيمان الجمهور: «إنه أمر خطير. لا تحتاجها. حصانة القطيع هي صديقتك».

في يوليو، أزال YouTube قناة Bigtree، التي قيل إنها حصلت على أكثر من 15 مليون مشاهدة، وفي نوفمبر، أزال Facebook صفحة Bigtree على Facebook، التي كان لديها أكثر من 350،000 متابع، لنشرها معلومات مضللة حول Covid، وفقا لمتحدث باسم Facebook.

لكن قناة Bigtree لا تزال تدير حسابا على Instagram مع أكثر من 212000 متابع، حيث ينشر مقاطع فيديو تتلقى بانتظام ما بين 30000 و150000 مشاهدة.

يقول الباحثون إن بعض أقوى الرسائل المضادة للقاحات تعمل عن طريق تقديم بيانات حقيقية وحكايات بشكل انتقائي تعزز الشك، بدلا من مشاركة ادعاءات كاذبة واضحه. تشير كولينا كولتاي، باحثة في مركز الإعلام العام بجامعة واشنطن، والتي درست نشطاء مناهضة اللقاحات على وسائل التواصل الاجتماعي منذ عام 2015، إن سبب الخدعة في التردد في أخذ اللقاحات هي أنها ليست معلومات مضللة دائما، ويكون التركيز على معلومات قد لا تكون غير صحيحة بشكل واضح. «إن ذلك الأسلوب قوي ويجعلك تتساءل وتشك».

نشطاء آخرون وصفهم الباحثون بأنهم «ناشرون رئيسون» للمعلومات الخاطئة عن لقاح فيروس كورونا، أزيلت حساباتهم على Facebook هذا العام، لكنهم استمروا في تشغيل حسابات Instagram مع مئات الآلاف من المتابعين، بما في ذلك مُنظّر المؤامرة البريطاني ديفيد إيكي والناشط الأمريكي المناهض للتطعيم شيري تينبيني.

صرحت آنا صوفيا هارلينج، رئيسة شركة NewsGuard، وهي شركة تقيّم دقة ومصداقية المواقع الإخبارية، «تظل كثير من الحسابات التي تمت إزالتها من منصة Facebook نشطة على Instagram، مع وجود أعداد هائلة من المتابعين» تنتج أيضا تقارير عامة عن معلومات مضللة عن اللقاحات على وسائل التواصل الاجتماعي. «انستقرام يعاني من مشكلة ضخمة تتعلق بتشويه صورة لقاح Covid-19».

وعند سؤاله عن سبب استمرار Bigtree وTenpenny وIcke في استخدام Instagram بعد انتهاك سياسات Facebook، قال متحدث باسم Facebook إن حسابات Instagram لم تنتهك سياسات Instagram بعد مرات كافية لإزالتها، وإن انتهاكات Facebook لا تحسب في إزالة Instagram، حتى عندما يقوم الأشخاص أنفسهم بتشغيل الحسابات.

الناشرون الرئيسون للمعلومات الخاطئة

في حين أن منصات مثل Pinterest نفذت منذ فترة طويلة سياسات صارمة لعدم التسامح مع الدعاية المناهضة للتطعيم، رفض Facebook منذ فترة طويلة حظر جميع أشكال النشاط المضاد للقاحات. جادلت الشركة بأن حظر الادعاءات الكاذبة الموجودة في أماكن أخرى على الإنترنت غير مجدية، وأن الادعاءات المتعلقة باللقاحات يجب أن تبقى على المنصة لمناقشتها والتحقق من صحة الحقائق.

ولكن مع ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في عام 2020، أصبحت منصة Facebook أداة تجنيد وتنظيم للاحتجاجات ضد تدابير الصحة العامة وحتى الجماعات الإرهابية المحلية الأمريكية الجديدة، بدأت الشركة في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لقمع المعلومات المضللة المرتبطة بالحقيقة.

قالت فيس بوك في أوائل ديسمبر إن سياسته الجديدة ولدت بسبب القلق من أن المعلومات الخاطئة عن لقاح Covid قد تؤدي إلى «ضرر جسدي وشيك»، وتعهدت بإزالة الادعاءات من Facebook وInstagram التي حددها الخبراء على أنها خاطئة.

تقول الشركة إنها تواصل أيضا الحد من وصول المجموعات والصفحات التي تنشر معلومات مضللة عن مكافحة التطعيمات، بحيث يشاهد عدد أقل من الأشخاص المحتوى، وتروج لجهودها لربط المستخدمين بمعلومات موثوقة عن Covid-19 من مسؤولي الصحة، مستشهدة بذلك. قام أكثر من 600 مليون شخص بالنقر فوق النوافذ المنبثقة على Fac لكن بعد شهر من إطلاق Facebook لسياسته الجديدة العدوانية، يقول الباحثون الذين يدرسون النشاط المضاد للقاحات إنه لا يزال من السهل العثور على ادعاءات كاذبة، وإن العديد من المنشورات التي تحتوي على معلومات مضللة لا تحتوي على أي علامات تحذير إضافية.

في أواخر نوفمبر الماضي، قام الباحثون في NewGuard،» الشركة التي تقوم بتقييم جودة المواقع الإخبارية»، بتصنيف 14 صفحة عامة كبيرة باللغة الإنجليزية على Facebook على أنها مروج كبير للمعلومات المضللة عن لقاح فيروس كورونا. لاحظ باحثو NewsGuard أن Worldtruth.TV، وهي صفحة على فيس بوك تضم 1.5 مليون متابع، ناقشت مرارا وتكرارا ادعاءات كاذبة حول اللقاحات أكثر من 100 مرة خلال الصيف الماضي، بما في ذلك استخدام «الرقائق الدقيقة» كجزء من نظام تتبع عالمي وادعاء تغيير الحمض النووي البشري.

يبدو أن انتشار هذه الأنواع من نظريات المؤامرة له عواقب في العالم الحقيقي. في ولاية ويسكونسن، أخبر صيدلي الشرطة أنه حاول تدمير مئات الجرعات من لقاح فيروس كورونا لأنه يعتقد أن التطعيم سيغير الحمض النووي للأشخاص، وفقا لوثائق المحكمة الصادرة.

طوال شهر ديسمبر، حتى بعد إعلان سياسة Facebook الجديدة، استمرت Worldtruth.TV في نشر نظريات المؤامرة حول فيروس كورونا.

أشار البعض إلى اللقاح على أنه «علامة الوحش»، في إشارة إلى كتاب الرؤيا التوراتي (كتاب اليهود)، وإلى نظرية مؤامرة واسعة الانتشار تم الترويج لها بشكل بارز من قبل كاني ويست.

وأبلغ محرر الصحة في NewsGuard أيضا عن استمرار الادعاءات الكاذبة المتعلقة بفيروس كورونا على GreenMedInfo، وهي صفحة على Facebook تضم أكثر من 500000 متابع تم ربطها مرارا وتكرارا بالمعلومات الصحية الخاطئة. قال جون جريجوري، نائب رئيس تحرير NewGuard للأخبار الصحية، في أوائل ديسمبر، كانت الصفحة هي الأولى التي تنشر قصة تدعي زورا أن «لقاح شركة Pfizer قتل شخصين في تجربة اللقاح». وفي الواقع، لم يتم ربط هاتين الوفاتين باللقاح.

بينما تلقت المنشورات على كل من Worldtruth.tv وGreenMedInfo مشاركة قليلة نسبيا - وهي إشارة، كما يقول Facebook، على أن جهوده للحد من التوزيع تعمل. يقول الباحثون إنه من المحبط رؤية موجة مستمرة من الأكاذيب من نفس «الجهات الفاعلة السيئة» منذ أن بدأ الوباء. يقول جريجوري: «هؤلاء ليسوا لاعبين جددا في فضاء المعلومات المضللة».

وبصفتي طبيبا ممارسا منذ سنوات طويلة، لاحظت تأثير هذه المعلومات المضللة الكبير، وقد تحدثت بنفسي إلى كثير من الناس ممن صرح لي شخصيا بنيته عدم تلقي اللقاح. وهناك دور كبير وفعال للقيادات السعودية في مناهضة هذا السيل من الإشاعات والأكاذيب، ولا أدل على ذلك من ارتفاع نسبة المسجلين لتلقي اللقاح بخمسة أضعاف إثر مبادرة سيدي سمو ولي العهد بتلقي اللقاح في العلن.

وقد وفرت الدولة اللقاح مجانا للمواطن والمقيم على حد سواء، في بادرة نادرة في العالم، وفي استمرار للجهود الجبارة من قبل القيادة الحكيمة التي لا تألو جهدا ولا تتردد في تخصيص الميزانيات الضخمة في سبيل توفير الخدمات الصحية والرعاية للجميع، ضمن مخطط أثبت عالميا نجاعته وقيادة المملكة في هذا المجال بينما فشلت أنظمة صحية لدول متقدمة فشلا ذريعا.

أرجو أن يكون هذا الملخص أوضح للقراء بعض ما ينشر من الأكاذيب والجهات المضللة وراءها والأساليب المتبعة للتضليل. وقانا الله وإياكم من كل شر.

@almaiahmad2