حنان المرحبي

سوق المعرفة

الاثنين - 18 يوليو 2016

Mon - 18 Jul 2016

كأي مورد آخر، يمكن للمعرفة أن يكون لها سوق لتنظيم وتسهيل نقلها أو تبادلها، ومكونات سوقها العرض (المنتجين)، الطلب (المستهلكين)، والأسعار.

هناك من يعتقد بأن المعرفة منتج عام (أو حق عام)، وأنه ينبغي ألا يتم حجبها بل نشرها وبدون تكلفة.

ولكن هناك من يعتقد أن المعرفة حق خاص، ولمن ينتجها الحق في حجبها إن رغب في ذلك، ليجعلها في حوزته وحده فيتمكن من استثمارها أو بيعها والاستفادة من ريعها. تدعمه في ذلك الأنظمة والقضاء اللذان يحميان حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع.

لكن دعونا ننظر للمعرفة كمنتج، ما الذي يعطيها القيمة وما الذي يجعلها بلا قيمة؟

الندرة، وجود طلب عالي (القيمة)، وصعوبة التقليد في ظروف أخرى أو من قبل عقول أخرى أمور ترفع من قيمة المعرفة كمنتج. هذا النوع من المعرفة يتم إنتاجه داخل مراكز البحوث، أو من خلال الباحثين وأساتذة الجامعات الذين يبعثونها لمحرري الدوريات العلمية ليقوموا بنشرها، أو يتم إنتاجها داخل مراكز الأبحاث بالشركات والمصانع الكبرى (شركات الأدوية أو التقنية، منها مثلا شركة أبل).

تتسم هذه المعارف بأنها عالية التعقيد (highly sophisticated) ونادرة، والدخول لأوعيتها مكلف جدا. والسبب في ذلك أنها تتمتع بحماية كبيرة من قبل منتجيها والأنظمة والقوانين. ومصدر قيمتها هو الطلب الكبير عليها أو على المنتجات التي تسهم في تصنيعها (كونها تصنع الثروة) وكذلك ندرتها. أيضا عملية إنتاجها عملية ليست في متناول اليد، بل تتطلب مزجا فريدا بين العقول المبدعة والتقنيات والموارد النادرة، مما يصعب من إمكانية تقليدها لتبقى نادرة مدة أطول. وكلما ارتفع الطلب عليها أو على المنتجات التي تسهم فيها، ارتفعت قيمتها.

ماذا عن قوقل والمواقع المثيلة والمعارف المعروضة فيها، أليست ذات قيمة؟

في الواقع، انخفضت تكلفة الحصول على المعلومة بشكل كبير جدا مع ظهور الانترنت. اليوم يتوفر على الشبكة العنكبوتية كم هائل من المصادر المعرفية المجانية. ذلك الانخفاض لا يزال مستمرا وبخاصة مع انتشار استخدام وسائل التواصل التي أنشأت منصات بديلة عن المنصات التقليدية لتبادل المعارف والربط بين المنتجين والمستهلكين. على سبيل المثال، يمكن للباحث بناء شبكة خاصة به يقوم من خلالها نشر ملفه التعريفي، معارفه، وبناء سوقه الخاص.

قد لا تحقق المشاركة بالمعرفة مردودا جيدا بالقدر الذي قد تحققه في حالة حجبها، ولكن قد لا يتوفر الطلب دائما أو قد لا تتوفر الموارد والتقنيات التي تمكن من تحويلها إلى منتجات تتمتع بطلب كبير. لهذا فالبديل هو الاستفادة منها في خلق فرص أخرى لمالكها لاستثمارها وتحقيق العوائد منها، وذلك عبر تأليف الكتب وبيعها أو عقد الدورات، كأمثلة.

يذكر أن وسائل التواصل أسهمت في توسيع نطاق تبادل المعارف والتجارب بين الأفراد في العالم العربي، وهذا الأمر سيضيف للمجتمعات العربية الكثير من حيث الرؤية.

ولكن الأمر سيختلف قليلا إذا ما أردنا استثمار المعارف بجدية وصناعة الثروة منها، فذلك سيتطلب أن نكون قادرين على إنتاج معرفة تتسم بالندرة، القيمة، وصعوبة التقليد.



[email protected]