علي المطوع

الموظف الطعم

الاحد - 07 فبراير 2021

Sun - 07 Feb 2021

هواة صيد الأسماك يعرفون ويعون ضرورة وجود طعم طبيعي أو صناعي يساعدهم على صيدها، كل ما يحتاجه الصياد سنارة مرنة، وفي طرفها خطاف فولاذي يُلصق فيه طعمه ويرمي أمله في الماء منتظرا حظه، والحظ هنا سمكة ثرثارة كانت تمني نفسها بأن تأكل، لكنها تصبح بعد لحظات أسيرة لخديعة الصياد وطعمه الهلامي الذي كلفها حياتها لتصبح وجبة دسمة في أحد البطون النهمة.

وفي العالم الإداري المكتظ بكثير من صنوف الموظفين المختلفين والمخالفين يظهر الموظف الطعم وهو عبارة عن موظف يرى جيدا، لكن من خلال زاوية حادة جدا يضعه فيها رئيس إداري قادر على رؤية المشهد جله أو أكثره من خلال زواياه المنفرجة، التي تتيح له رؤية نافذة وروية متئدة تجعله يستطيع التحكم بتوجهات هذا الموظف، وتوجيهه إلى المناطق التي تحتاج جهده ونشاطه وغباءه أيضا، والأخيرة هي الصفة المهمة التي يبحث عنها بعض الرؤساء السيئين ويساهمون في تنميتها عند هذا الموظف، من خلال سماع أخباره ونشاطاته وإعطائه شيئا من الحفاوة تبقيه تحت أضواء أصحاب السعادة ردحا من الزمن.

الموظف الطعم يملك تأهيلا متدنيا وعقلية أدنى وضميرا غائبا، في المقابل يكون له نشاط حركي لافت، وقدرة على التموضع في المكان والزمان المناسبين لنقل الأخبار على جناح السرعة إلى المدير، هذه النشرات الإخبارية والأحداث التي يقوم بنقلها هي وصفه الوظيفي وإنتاجيته خلال العام، والتي من خلالها يعتقد أنه مهم وأن رئيسه لن يستغني عنه.

الموظف الطعم يعد أيضا بالون اختبار، بمعنى أن الصف الثاني في الإدارات العليا يحقنه بخبر قد يكون صحيحا وقد لا يكون، ولأنه نرجسي في شخصيته فإنه لا يستطيع السكوت، فيذهب ليخبر بعض المقربين منه، من أن الإدارة ستفعل كذا ويتغير كذا وستأتي بكذا، وهذه المعلومات تبقيه في المشهد أمام تلاميذ المستقبل قدوة حسنة وشخصية مهابة، كيف لا وهو مصدر يثق به الكبار ويأتمنونه على أسرارهم.

من أجلى المهام التي يكلف بها الموظف الطعم، أن يُستدرج به توجه عام في المنظومة من خلال معرفة من هو صاحب هذه الفكرة المخالفة، وهنا يجهز هذا الطعم ويرمى به بين هؤلاء، ومن خلال مرونته وقدرة الآخرين على تحريكه، يقوم باستدراج البعض من خلال سماع أحاديثهم الجانبية والاختلاط بهم، ولكونه لا يُعبأ به ولا يُعتد بحضوره فإن الأكثرية لا تعيره اهتماما، وتتصرف بتلقائية عجيبة، وهذا ما يمكنه من اقتناص الأخبار وحملها على جناح السرعة إلى الرؤساء الضعفاء، الذين يرون فيه مهما كانت إنتاجيته مجرد مسخرة وممسحة تقتضيها المرحلة الإدارية الخاطئة وبعض متطلباتها المغلوطة.

المجتمع الإداري ليس هكذا دائما، ولا يندر وجود مثل هذه الحالات فيه، خاصة أن العالم الإداري بأفراده يظل صنيعة المجتمع الإنساني الذي يحوي الناس جميعا، والموظف الطعم يظل لزمة من لزماتنا الإدارية وأزمانها وأزماتها المتعاقبة، التي تحتضن مثل هذه الأخطاء وهذه الممارسات وهذه الشخصيات الهلامية التي تجسد في ذاتها معنى أن تكون بلا معنى ووسيلة سيئة لغايات أسوأ، وأداة لتعطيل الأهداف الإدارية السامية وتعطيل الكفاءات الناجحة والمنتجة.

@alaseery2