فهد عبدالله

لا ضغينة

الاحد - 10 يناير 2021

Sun - 10 Jan 2021

أحد الأصدقاء الأفاضل يذكر لي قصة عن اثنين من أصدقائه وبينهم محبة وعرف جميل، حصل بينهم اختلاف في قضية شراكة وتملك، ووصل الحال بهم إلى أن الفصل بينهم في ذلك من خلال المحكمة.

حتى الآن مثل هذه القصة تحدث كثيرا في أروقة المحاكم، المهم وهو شاهدنا الرئيس في هذه القصة الجميلة، أنه في إحدى الجلسات المقررة لهما ذهبا سويا بسيارة واحدة وتناولا وجبة الإفطار في أحد المطاعم، بعد ذلك ذهبا إلى المحكمة وحكم القاضي لأحدهما وخرجا سويا أيضا بسيارة واحدة. لم يكن ذلك الخلاف الجزئي المؤثر في شكل حقوق مالية أن يعبث بعلاقتهما الجميلة السابقة أو اللاحقة.

للوهلة الأولى تبدو مفارقة كبرى ألا يتمادى أثر ذلك الخلاف في هذه القضية على بقية مفردات العلاقة التي تجمع بين هذين الشخصين، وأعتقد أنها صعبة لكنها ليست مستحيلة، ولربما يقع خلف ذلك تراكمات طويلة من الود والموضوعية والعدالة لدى الطرفين، جعلت من هذا الخلاف أمرا يحدث في العلاقة، شأنه شأن بقية الأحداث الأخرى.

وأتذكر أيضا تلك الملاحظة العظيمة التي تركها لنا غازي القصيبي رحمه الله إبان فتراته الأولى في وزارة الصحة، ففي اجتماعه اليومي الصباحي في الساعة الثامنة مع الدكتور نزيه نصيف والدكتور جميل الجشي والدكتور عبدالله بن صالح، كما كان يروي، كانت النقاشات أحيانا تكون شديدة الصخب ويعلق «والزملاء الثلاثة، بحمد الله، من المتعبين جدا، المشاغبين جدا».

هذه المشاغبة أو التعب كما وصف في النقاشات والقرارات رغم أن ظاهرها التعنت وعدم ديناميكية العمل إلا أن في باطنها جودة للمخرجات، كان يحمد الله على أن هؤلاء الزملاء متعبون ومشاغبون.

وفي موضع آخر يقول «هنا نصيحة للقائد الإداري الصاعد: إذا كنت لا تريد أن تسمع سوى (نعم، نعم، نعم) فمن الأسهل والأرخص أن تشتري جهاز تسجيل، أما إذا كنت تريد بالفعل مشاركة الرجال عقولهم فعليك أن تتذرع بصبر لا حدود له.

بدون هؤلاء المتعبين لم يكن بوسعي تحقيق شيء، أي شيء على الإطلاق».

قصة ثالثة يحكيها لي أحد الزملاء الأجانب، يقول: من العادات التي نمارسها في ثقافتنا الاجتماعية أنه إذا كان هناك أمر نشعر فيه سوء التصرفات أو النوايا من قبل شخص آخر، يذهب الشخص مباشرة إلى الشخص الآخر المعني ويردد عبارة (لا ضغينة) ويكاشفه عما ساء من التصرفات وما خالجه من المشاعر، دون أن يجعل مثل هذه الأمور معلقة زمنيا دون إغلاقها.

المشاهد الثلاثة السابقة جميعها تشترك في كيفية التحكم بالمشاعر وعدم بسط نفوذها على بقية مفردات العلاقة أو الأعمال، وأعتقد أن مسألة تحييد المشاعر بشكل كلي عن مجمل المواقف صعبة جدا، ولكن التراكم والتدرب والتأمل والمراجعة الآنية بعد المواقف الخاطئة كفيلة بأن تجعل تحييد أثر المشاعر في موقف ما على بقية المواقف في طور مرتفع جدا.

من العتبات المرتفعة في سلم النضج والوعي أن يتحكم الإنسان بمشاعره، ويجعل من إدارة هذه المشاعر فعالة على جانبين، الأول في تعامله مع الآخرين والثاني في تعامله مع نفسه، وبمجرد وجود هذا التوازن الصعب في إدارة المشاعر من خلال تحييد تأججها أو خفوتها سيرى الإنسان الأمور كما هي، لا كما يرغب أو يحب.

fahdabdullahz@