مرزوق بن تنباك

أراد خيرا ولم يوفق إليه

الثلاثاء - 05 يناير 2021

Tue - 05 Jan 2021

في تاريخنا الثقافي وفي تراثنا الفكري مقاصد حسنة للطيبين الذين يريدون خيرا ويقعون في ضد ما أرادوه، مع نية حسنة ومقصد حسن أيضا، وأول هؤلاء الوضاعون في الحديث النبوي، فيما يضعون من ترقيق القلوب وإصلاح الشأن ورغبة الخير، بأساليب غير خيرة على كل حال، فلما فطن أهل الحديث لما يقوم به هؤلاء من كذب على الرسول ووضع للأحاديث، كانت حجتهم أنهم يكذبون للنبي ولا يكذبون عليه، كان عمل الوضاع للحديث عملا داخليا في إطار الثقافة العربية ومنها وفيها عندما كانت الثقافة عظيمة قوية يقتدى بها وتقلد رسالتها.

وعندما انتقلت القوة إلى الثقافة الغربية وجد الوضاعون فرصتهم فيها، وصنعوا بها ما صنعوا بالحديث، ومن أشهر ما وضعوا قصة الاستفتاء الذي أجرته مجلة فرنسية كما زعموا، وقد أجاب عن الاستفتاء مليونان وخمسمئة فتاة فرنسية من مختلف الأعمار، كانت إجابة 90% منهن بنعم للزواج من العرب وتفضيلهم على غيرهم. شاعت خرافة هذا الاستفتاء حتى أصبح مصدرا لدراسات تسمى أكاديمية ورسائل جامعية وكتب ومؤلفات نالت أعلى الجوائز العربية، وكان حظ هذه الدراسات في الجامعات السعودية وافرا، وفيها أكثر من رسالة جامعية موضوعها هذا الاستفتاء المصنوع المختلق، وأصبح مصدرا للدراسات الجامعية وبنيت عليه أفكار وأوهام، وصدقت كذبة الاستفتاء من أجل الإسلام طبعا كما كان الكذب من أجل النبي.

ولم لا يكون الاستفتاء مهما وهو يقرر أن 90% من شقراوات فرنسا قد رغبن بفحولة العرب ورجولتهم بدل أبناء جنسهن الفرنسيين؟ ولكن الفرحة لم تتم، فقد أفسدها علينا الأستاذ الدكتور حمزة المزيني حين تتبع الخبر من مصادره في مقالين نشرهما في الشرق الأوسط، أولهما في 9 فبراير 2013م، ولم يجد لهذا الاستفتاء مصدرا غير ابتداع مجلة الاعتصام المصرية واختلاقها الخبر عام 1977، فمنها بدأ وإليها يعود.

وآخر النيات الحسنة وأكذبها ما يدور في الواتس اب هذه الأيام من كلام مسجل بالصوت والصورة لرجل منا، ذرب الحديث طلق اللسان يقول ويكاد يقسم على صحة ما يقول «بوش الابن الذي قبل أوباما في أول لقاء بالشعب الأمريكي على أكبر محطات التلفزة الأمريكية، والكلام موثق ليس كلاما بالهواء صورت أنا جريدة المدينة لما نشرت الخبر بالخط العريض الرئيس الأمريكي عبر أكبر محطات التلفزة الأمريكية، إذا أردنا لمجتمعاتنا الأمريكية التماسك الأسري والاجتماعي والانضباط الأخلاقي والنجاة من الإيدز، فعلى نسائنا أن يقلدن النساء المسلمات في حجابهن وبعدهن عن الرجال.

صورت المقال والتحقيق من الجريدة وأرفقته بورقة الاختبار للطالبات، قلت اقرئي المقال المرفق وأجيبي عنه فيما بقي من المساحة، تقول بعضهن وما تزال الأوراق عندي إلى الآن: كنت أقرأ المقال وجسدي يقشعر، العالم يتنادى إلى قيمنا في الوقت الذي نهرب نحن من قيمنا».

أخونا صانع القصة المتحدث أراد بحسن نية مدح قيمنا وفضائلها - وهي تستحق، لكنه نسي أنه يضع مدحه على لسان رئيس أمريكي وهذا يبيض صفحته لقرائه العرب، وهو أول رئيس دعا لحرب صليبية على العرب والمسلمين، ودمر دولة العراق وشتت شملها، وأقنع العالم وهو كاذب بأن العراق يملك سلاح الدمار الشامل، وقال: من لم يكن معنا فهو ضدنا، لحشد الأنصار ضد العرب والإسلام.

ومن سوء حظ أخينا صانع القصة أنه لم يختر فيلسوفا أو مفكرا غربيا أو شرقيا أو حتى قسيسا محايدا ويضع قصته على لسانه حتى تخفى معالمها على الناس، وإنما اختار زعيم أقوى دولة ومنذ سنوات قليلة! أحصى العالم كل كلمة قالها أثناء ولايته وحربه على الإسلام، وليست منها هذه الكلمات الجميلة التي ينسبها إليه، وهي محمدة لا يعرفها ولا يستحقها بوش الابن، ولم يسمع بها أحد غير صانعها ومحدثنا بها.

وثالثة الأثافي أنه جعل بناتنا اللائي تشربن تعاليم الإسلام ونشأن على قيمه وقرأن القرآن وتأدبن بآدابه وتربين في بيئة إسلامية محافظة لا تقشعر أجسادهن إلا من سماع حديث بوش الابن! وكأنهن لم يسمعن عن فضائل قيمنا إلا حين أخبرهن عما نسب للرئيس الأمريكي! عفا الله عن صاحبنا فما أراد إلا خيرا وإن لم يوفق إليه.