زيد الفضيل

العالم أمام مشهد متغير.. السعودية 2021م

السبت - 02 يناير 2021

Sat - 02 Jan 2021

وهكذا انقضى عام ميلادي جثم على صدورنا في مشهد لم يعش العالم مثله، إذ لم تتوقف الحركة في مشارق الأرض ومغاربها في ساعة واحدة ووقت واحد منذ فجر التاريخ مثلما توقف في العام المنتهي بخيره وشره، إذ عادة ما تأخذ مسيرة أي مرض مُعدٍ أسابيع وشهورًا لتنتقل من بلد لآخر، ومن قارة لقارة، لكن ما حدث في 2020م كان مختلفا، فبلمح البصر سرعان ما تفشى المرض، وانتشرت العدوى، ليصنف جائحة عالمية، تداعت لها سائر الدول بالسهر والحمى.

وكان من جراء ذلك أن أخذت معامل الدواء في كل الأرض في التسابق لإنتاج لقاح يقي الناس مرارة الابتلاء المحموم، ويعيد إليهم اطمئنانهم وسكينتهم، ولطف الله بخلقه حين وصل العالم إلى السر المكنون بعد جهد جهيد، وتدافع علمي إيجابي، وبات اللقاح جاهزا، بل ومتداولا في عديد من الدول وعلى رأسها وطننا المملكة العربية السعودية، التي تمكنت من تجاوز كل المخاطر الناتجة عن جائحة كورونا بقدرة فائقة، ومهارة تنم عن إرادة وتخطيط يعكسان قوة الدولة وتقدمها، حيث أثبتت السعودية أنها في مصاف الدول الرائدة، وقليل ما هي في العالم اليوم مع هذه الأزمة، وهو ما أراده ولي العهد في رؤية 2030 وأشار إليه في عديد من خطاباته، فسياسة الوفرة المتبعة، وسرعة القرار الحازم، مع أخذ الاحتياطات اللازمة، وتقديم كل الاحتياجات الطبية المستحقة لجميع الناس دون تفريق ودون رسوم مالية، كان له الأثر الكبير في تحقيق غاية الاتزان والسلامة التي فشل عديد من الدول المتقدمة في تحقيقه خلال ذروة الجائحة.

وعليه، فإذا كانت الجائحة قد أوجعت الناس، وأثرت في ميزان الاقتصاد العالمي، لكنها على الصعيد السياسي قد أسست لملامح قرن جديد، تنتهي وتتلاشى فيه دول مستقبلا، كما تتراجع فيه دول وتتقدم أخرى، ويأتي على رأس الدول المتقدمة المملكة العربية السعودية التي كتبت بقرارها الحكيم وإرادتها وثيقة وجودها القوي بين دول العالم في القرن الواحد والعشرين، ولا سيما أنها قد تمكنت من قيادة العالم مع ترؤسها قمة G20 ودعمها المادي لمنظمة الصحة العالمية، في الوقت الذي اتضح فيه عجز بعض دول القارة العجوز عن مواجهة الجائحة والخروج منها بسلام، بل ووقَّعَ الاتحاد الأوربي شهادة وفاته لعدم قدرته على احتواء الأزمة مبكرا، وتخفيف ما يترتب عليها من أضرار اقتصادية وسياسية، وقبل ذلك وبعده صحية ونفسية.

كذلك الحال في الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تتمكن من مواجهة أزمة وباء كورونا في وقت مبكر، وانكشف عمق الخلل في نظامها الصحي، في الوقت الذي نجحت فيه الصين حيث ابتدأ الوباء، ثم روسيا من بعدها، في تجاوز تأثيرات الجائحة، بل وعمدت إلى مد يد المساعدة لدول محسوبة على العالم المتقدم كإيطاليا وغيرها، وهو ما ينبئ بانتهاء تأثير القطب الواحد مستقبلا، ولله حكمة في ذلك وهو القائل «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين».

من جانب آخر يطل علينا عام جديد بمفاهيم متغيرة لمعنى القوة، وأولويات جديدة في منظومات الأمن المعتبرة، إذ ولأول مرة تصبح الترسانة العسكرية عاجزة أمام ما يواجه العالم من اعتداء، فليس للجيوش اليوم أي تأثير، بل لا تستطيع أن تحمي نفسها من خطر داهم لا تعرف له سبيلا ولا مخرجا، كما عجز المال بسلطته وهيمنته عن حماية أصحابه الذين وبلمح البصر باتوا عاجزين عن السفر والابتعاد، فأين المفر من جائحة عمت العالم كلمح البصر، ولم ينج منها كبار الرؤساء والمسؤولين في العالم، الذين بيدهم القدرة والتمكين المادي. على أن القوة الأكبر التي أثبتت نجاعتها خلال هذه الأزمة هي قوة ومتانة الأمن الصحي، مصحوبا بالأمن الفكري، المعزز لحالة الوعي، المساعد بقوة على تفعيل إجراءات استيعاب قوة العدو الخفي، والحد من أضراره.

إنه تحدي الأمن الصحي وتنامي حالة الوعي الذي انتصرت فيه المملكة العربية السعودية على الصعيدين المؤسسي والمجتمعي، وتمكنت من مواجهة تأثيرات الجائحة دون أي إرباك أو اعتراض مجتمعي، وهو ما يحسب لها ويجعل منها قوة رائدة في أروقة ونشاطات المحافل الدولية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، الأمر الذي يستوجب تعزيز قدراتها على الصعيدين التعليمي والصحي حاضرا ومستقبلا، فبهما تتقدم الأمم ويعلوا الإنسان. وكل عام ووطننا والعالم بخير وسلام.

zash113@