عبدالله العولقي

حديث حول الهوية العربية

الأربعاء - 23 ديسمبر 2020

Wed - 23 Dec 2020

لا شك أن الهوية الإنسانية ترتكز على مقومات حيوية متعددة، أهمها اللغة المنطوقة والثقافة القومية والتاريخ المشترك، بالإضافة إلى الجغرافيا التي تحتضن كل هذه المقومات، والهوية العربية تمتلك مزايا متعددة ذات قيم متميزة في العادات المتوارثة والتقاليد وفن العمارة والفنون والآداب والموسيقى والمأكولات التراثية، بمعنى أنها تمتلك كل مقومات ومزايا الهوية المتكاملة والشاملة، ولديها الخصوصية التي تبرزها ثقافيا عن بقية الهويات الإنسانية.

في العراق، تعاني الهوية العربية من أزمة التدخل الإيراني، فأجندة الحرس الثوري تقتضي تنهيج الطائفية العنصرية بين الفئات المجتمعية العراقية كجدار عزل ثقافي يفصلهم عن هويتهم العربية، ولعل آخر تلك المشاهد يتجلى في تعليق صورة كبيرة لقائد فيلق القدس الهالك قاسم سليماني على جدران كبرى قاعات البرلمان العراقي، استعدادا لإحياء الذكرى السنوية لمقتله على يد القوات الأمريكية، هذا الاستفزاز الثقافي يعكس مدى صورة الدلالة الصارخة لدى الذهنية الفارسية وحرصها الثقافي على تغييب الهوية العربية في بلاد الرافدين.

صورة أخرى مماثلة في سوريا، فبعد احتلال القوات التركية لعدة مناطق من الشمال السوري من محافظات حلب والرقة والحسكة خلال الحرب الأهلية، دشنت أنقرة سياسة التتريك في جغرافيا الشمال السوري عبر فرض اللغة التركية لدى الناشئة في المدارس الابتدائية، وتغيير أسماء المعالم الرسمية كحادثة تغيير اسم الساحة الرئيسية في عفرين إلى ساحة كمال أتاتورك، إضافة إلى فرض اللغة التركية إلى جوار العربية في المؤسسات والمستشفيات والجامعات، وإقامة معاهد متخصصة لتعليم اللغة التركية، ولعل آخر تلك الاستفزازات الثقافية يكمن في رفع الأعلام التركية على المباني والإدارات الحكومية.

الهوية العربية عانت أيضا من الانهزامية الثقافية عند بعض المثقفين العرب الذين صدعوا منصاتنا الإعلامية بقيم الثقافة الغربية كقيمة حقوق الإنسان، ولعل جائحة كورونا قد أبانت للعالم مدى غرق الهوية الغربية في غياهب المادية وشهوة المال أمام القيمة الإنسانية، ولعل الصراع الجنوني المستعر بين شركات الدواء على جني الأرباح الفلكية من اللقاحات المطورة لـ (كوفيد - 19) يعكس مدى زيف مبادئ حقوق الإنسان في الغرب كما يرى الأستاذ رضوان السيد، بينما نجد أن دولة ذات هوية عربية كالمملكة قد برزت إنسانيا أمام العالم وبوجهها المشرق عندما منحت الإنسان أولويته على الاقتصاد والسياسة حتى نجحت في احتواء الجائحة، ثم توجت هذه الإنسانية بإعلانها عن توفير اللقاح بصورة مجانية وعادلة بين المواطنين والمقيمين، وحتى المخالفين لنظام الإقامة، يقول الأستاذ سلمان الدوسري إن هذا الأنموذج الإنساني الفريد ربما يعيد صياغة وتعريف مبادئ حقوق الإنسان التي طالما ارتبطت تاريخيا بمعطيات الهوية الغربية.

أخيرا، تظل اللغة هي المكون الأساسي لأي هوية بشرية في العالم، فهي الانعكاس الفعلي للوعي القومي والفكر الثقافي، وهي الأداة الفعالة للتفكير الإبداعي والابتكاري، وقبل أيام شهد العالم عبر منظمة اليونسكو احتفالية ثقافية عالمية هامة، وهي الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، اللغة التي تمثل هويتنا القومية وعروبتنا التاريخية وقيمتنا الحضارية بين الشعوب الإنسانية الأخرى.

وكما قال شوقي:

إن الذي ملأ اللغات محاسنا

جعل الجمال وسره في الضاد

@albakry1814