علي المطوع

العقال بين سطوة العمامة وطموح الطربوش

الاحد - 20 ديسمبر 2020

Sun - 20 Dec 2020

في مشهد غريب، وأثناء استقبال الرئيس التركي لرئيس الوزراء العراقي، بادر إردوغان بإصلاح (ياقة) قميص الكاظمي، البعض رأى في ذلك شيئا من الحميمية بين الزعيمين، والبعض الآخر رأى في ذلك جرأة من الرئيس التركي تخالف كل البروتوكولات الرسمية المعمول بها في مثل هذه المناسبات وأجوائها الرسمية والمنضبطة.

عدت بالذاكرة إلى صدام حسين الذي كان مع عنفه مع مخالفيه وتجاوزاته وجبروته، رجلا أنيقا في ملبسه وحضوره العام، كان يجيد التعامل مع الزعماء ومن في حكمهم، خاصة أمام عدسات الكاميرات، وهذا ما تثبته الأراشيف المصورة وتوثقه التسجيلات. ترى لو كان ذلك في عهده وفي مثل تلك المناسبة أكان أحد يجرؤ على مد يده لإصلاح خلل قد يبدو على مظهره أو أحد أفراد نظامه، خاصة في تلك الحالة البروتوكولية الصرفة التي تمثل البلدين أكثر من كونها حالة شخصية فردية للزعيمين؟

العراق اليوم ليس عراق الحزب الواحد، ولا عبدالكريم قاسم ولا الملكية وما قبلها، العراق اليوم أسير لإيران بتدخلاتها السياسية الكبيرة وبتداخلاتها الأكبر في كل الشؤون العراقية، والمواطن العراقي كان وما زال وسيظل أسيرا لهويته العربية التي كانت سببا في ذلك الانسجام الكبير بين المكونين الرئيسيين السنة والشيعة، تلك الهوية التي شكلها التاريخ البعيد وقواسمه المشتركة الأصيلة، بدءا باللغة والأرض وصولا إلى المناخات السياسية خاصة زمن البعث، وتحديدا في عهد صدام إبان حربه مع إيران، الذي أعاد تأطير هذه الهوية واختزالها في الهوية العربية لتكون ندا للفارسية في بعدها الديني القديم تحديدا وليس الشيعي، الذي تجاوزه البعث وتجاهله عمدا كمشترك أصيل مع الجارة اللدود إيران، وأجازه في الداخل العراقي حصرا بهوية عروبية بعثية صرفة، وتلك واحدة من عجائب ما صنعه حزب البعث في العراق.

اليوم تضرب الطائفية وبقوة في مفاصل الحياة العراقية وبدعم من إيران وجيوبها في الداخل والخارج، تلك الطائفية التي تنافي أي مظهر وحدوي يجمع العراقيين، ليجمعوا عليه كوسيلة خلاص تعيدهم إلى عراقهم وتعيده إليهم وطنا عظيما، كان وما زال يملك من التعددية والتنوع ما يجعله اللوحة الفسيفسائية الأجمل والأروع في المنطقة العربية، بمكوناته الإثنية والعرقية التي تعايشت في فترات ماضية، فشكلت عراقا خصبا نمت فيه كل مظاهر الحضارة والتقدم والرقي.

العراق اليوم يدور في فلك المتناقضات، فهو إلى الواقع اللبناني أقرب، كونه مجزءا إلى فئات عرقية وطوائف متناحرة تذكي إيران فيها كل أشكال الفرقة والتباعد والغلو. وتركيا من الشمال تحاول أن تعيد رسم خرائط المنطقة وفق واقع كانت فيه الموصل وما جاورها ولايات عثمانية، قبل أن تقع تحت الانتداب الفرنسي فترة من الزمن لتعود أرضا عراقية من جديد.

والسعودية بريادتها في المنطقة تحاول أن تعيد العراق إلى محيطه الأقرب تاريخا وجغرافيا كونه جزءا لا يتجزأ من هذا الواقع الذي كان حتى وقت قريب هو السد الذي حمى بوابته الشرقية عقودا طويلة، تجلت في حرب الخليج الثانية حرب الثماني سنوات.

العراق العربي بعد الغزو الأمريكي الخاطئ تجتاحه من الشرق العمائم الفارسية، التي تحاول نزعه من تاريخه وهويته، وفي الشمال يحضر الطربوش بمشاريع تركية تبحث عن رأس مهجنة تدين بالولاء للباب العالي وصدره الأعظم، وفي الجنوب تبكي الكوفية العربية وعقالها على أطلال أمة عربية ماضية كان يُقال إنها واحدة ولها رسالة خالدة، غُيب العراق فضعفت الأمة وخبئت الرسالة فسادت العمامة وتجرأ الطربوش.

alaseery2@