معراج الندوي

اللغة الأم عنوان الهوية

الاثنين - 07 ديسمبر 2020

Mon - 07 Dec 2020

تعد اللغة الملكة التي تميز الإنسان عن سائر الكائنات في الوجود، وهي أداة للتعبير عن أفكاره وعواطفه واحتياجاته، فهي وسيلة للاتصال والتواصل بين أفراد المجموعة البشرية التي تشترك فيها.

ولا تتوقف قيمة اللغة ووظيفتها عند هذه الحدود، بل تشكل مقوما رئيسا من مقومات الأمة التي تتداولها، فهي بذلك عنصر محدد للانتماء والهوية.

تمثل اللغة مقياسا خطيرا من مقاييس الهوية والانتماء، وتظل البوتقة التي تجمع تراث الأمة، وتستوعب مقومات فكرها وثقافاتها على توالى عصور التاريخ، فهي أداة التعبير ووسيلة التوصيل، وهي مادة التوثيق التي تضمن لفكر الأمة بقاء وخلودا.

اللغة هي الإطار الذي يحدد خصائص الآمة، كما أنها تعمق الشعور بالانتماء للجماعة من خلال تنمية الإحساس بوحدة الرابطة العقلية والنفسية والوجدانية التي تشد الأفراد إلى بعضهم، وهي وعاء خبرات الأمة وتجاربها، أثبتت التصاقها بالبيئة الاجتماعية والحضارية.

اللغة ليست مجرد تلك الأصوات والحروف والكلمات التي تكون وسيلة النطق والتواصل بين الأفراد في المجتمع، بل هي مخزون المعارف والثقافات التي يمتاز بها بنو البشر بعضهم عن بعض، وهي في الوقت نفسه مسألة ذاتية وهوية شخصية.

اللغة بصفة عامة هي الوعاء العميق الذي يضم في داخله عقيدة الأمة وهويتها وتاريخها وحاضرها وفكرها وإبداعها وتراثها، اللغة هي المقياس الحقيقي لثروة الأمة الروحية والفكرية والاجتماعية.

ولا تنحصر وظيفة اللغة في أنها وسيلة اتصال بين الأفراد لقضاء شؤون حياتهم فحسب، بل هي أخطر من ذلك، إنها رابطة تشد أفراد المجتمع بعضهم إلى بعض، توحد أفكارهم وتحدد آرائهم، وهي أساس تقوية انتمائهم إلى ثقافة واحدة.

إن لكل لغات العالم وظائف أكبر من توصيل المعنى المطلوب والمحافظة على الهوية الثقافية بمعناها الإيجابي الإنساني، فمن هذه الناحية اللغة ليست أداة لتخاطب والتفاهم بين أفراد الشعب في المجتمع فحسب، بل هي وسيلة هذا الشعب لإثبات هويته الخاصة التي يتميز بها عن غيره من الشعوب الأخرى، فاللغة هي جوهر الثقافة وأداتها، ودون اللغة لا ثقافة ولا هوية.

تحاول كل أمة أن تكون لها هويتها البارزة التي تحدد مكانتها بين الأمم والشعوب وموقفها قوة وصلابة، حتى تحمي كيانها وتستطيع فرض وجودها بين الأمم.

والهوية هي ما يتحدد به الشيء ويعرف ويميز به عن غيره، واللغة كذلك عنصر من عناصر التمايز بين الأجناس البشرية وعنوان الشخصية.

إن اللغة الأم تطلق دائما على اللغة التي تلقاها الإنسان بفطرته وغريزته، وتعلمها كما تعلم الأكل والشرب والمشي، ربما بدون جهد إرادي منه، ولكن من خلال الاستجابة الغريزية لدوافع البقاء والتحضر، تشكل اللغة الأم عاملا رئيسا في هوية الفرد، وهي من خلال هذا تؤهل الفرد لكي يلتحق بجماعة أكبر تنتمي إلى اللغة نفسها.

تحظى اللغة الأم باهتمام متزايد في الأوساط الدولية ولدى شعوب الأرض المضطهدة قوميا وثقافيا، وذلك لوجود روابط وجدانية قوية بين الفرد واللغة التي نطق بها كلماته الأولى، والتي يكون بها شخصيته ورؤيته للعالم.

اللغة الأم تختزن المشاعر والعواطف، والأمة لا تكتسب كينونتها وهويتها إلا من خلال اللغة، فاللغة وجدان الأمة ومشاعرها ووجودها ورسالتها ووعاء فكرها وتاريخها، ودور اللغة الأم لا يقف عند حفظ الهوية فحسب، وإنما يقف عند دورها الحقيقي في بناء شخصية الإنسان الروحية والفكرية والثقافية أيضا.

[email protected]