سالم الكتبي

قراءة في عملية اغتيال زاده

السبت - 05 ديسمبر 2020

Sat - 05 Dec 2020

تنطوي عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن زاده على نقاط عدة مهمة للغاية، تستحق الوقوف عندها تحليليا للتعرف على آثارها وانعكاساتها المحتملة، أولى هذه النقاط أن هناك «لوبي إعلامي عربي» يدين بالولاء أو التعاطف مع ملالي إيران، يحاول الترويج للفكرة القائلة بأن الرد الإيراني على الاغتيالات الأخيرة التي نالت من هيبة النظام، قادم لا محالة، وأنه سيكون «ردا مزلزلا» يعيد للملالي هيبتهم في عيون مؤيديهم وأنصارهم من التنظيمات الطائفية في المنطقة، وأن الرد بات «حتميا» لاستعادة قوة الردع والهيبة المفقودة!

واللافت أنني لاحظت أن هذا اللوبي يدفع باتجاه الرد الانتقامي الإيراني، ويغذي هذا التوجه بشدة رغبة دفينة لدى هذا الفريق في تورط الملالي في صراع عسكري مع دول مجلس التعاون، حيث يتمنى الحاقدون على هذه الدول أن يقوم الملالي بتوجيه خطط الانتقام و»الثأر» لمقتل زاده باتجاه جيرانها الخليجيين!

النقطة الثانية أن خيارات الرد الإيراني على عملية اغتيال «أبو البرنامج النووي الإيراني»، تبدو محدودة وصعبة للغاية، فعنصر التوقيت يلجم كل خيارات الرد ويجعل منها مغامرة فعلية ما لم يتم اللجوء إلى «رد محسوب» للغاية لحفظ ماء وجه النظام أمام مؤيديه وأتباعه، وهذا عائد بالأساس لأن أي عملية انتقامية إيرانية ستفاقم التعقيدات المحيطة بتنفيذ تصريحات الرئيس المنتخب جو بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي الموقع مع ملالي إيران، والملالي يدركون أن عنصر التوقيت في عملية الاغتيال قد تم اختياره بعناية فائقة بهدف خلط الأوراق ووضع العصا في عجلة الإدارة الأمريكية المقبلة، وربما يستهدف ما هو أكثر في حال تهور الملالي ومساسهم بأمن إسرائيل أو المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، بما يجلب رد فعل أمريكي أو إسرائيلي مضاد، حيث يتوقع أن يسفر أي تحرك في هذا الاتجاه إلى صدور أمر من الرئيس ترمب بتوجيه ضربة عسكرية محدودة للمنشآت النووية الإيرانية قبل أن يغادر منصبه.

النقطة الثالثة أن عملية اغتيال العالم النووي الإيراني الأبرز قد رسخت الفكرة التي تتردد خلال الأشهر الأخيرة حول ضعف النظام الأمني الإيراني المليء بالثغرات، فهناك اختراق غريب لإجراءات الحرس الثوري الإيراني لحماية عالم نووي بهذه الأهمية، ويعتبر من قيادات الحرس البارزة، حيث فشلت إجراءات حمايته وحصل منفذو العملية على كل ما يحتاجونه من معلومات دقيقة حول خطط تحرك وانتقالات زاده، وهو فشل كبير يضاف لسلسة طويلة من الإخفاقات الأمنية التي يعانيها نظام الملالي في الأشهر الأخيرة، حيث تشهد إيران بوتيرة لافتة، حرائق وتفجيرات في مواقع نووية وعسكرية، يقول النظام إنها أعمال تخريبية، ناهيك عن سرقة وثائق نووية سرية كانت مخبأة في منطقة بجنوب طهران، وذلك منذ نحو عامين تقريبا، حيث تم نقلها إلى إسرائيل.

النقطة الرابعة ظهور علامات الارتباك وسوء إدارة الأزمة على قيادات الملالي، حيث يلاحظ أن الارتباك الحاصل عقب مقتل الجنرال سليماني قد تكرر في واقعة اغتيال زاده، ويبدو أن الملالي لم يتعلموا من الدرس السابق وما يحيط بهم من أزمات متكررة في الداخل الإيراني والفاعل في كل مرة مجهول، ولا يعدون سيناريو لإدارة مثل هذه الأزمات والتعامل معها بحرفية، ما يعكس غباء الإدارة والغرور الزائد الذي تسبب في السقوط مرة تلو أخرى في أخطاء ساذجة، مثل مسارعة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى تحميل أطراف عدة، منها المملكة العربية السعودية، مسؤولية عملية اغتيال العالم الإيراني، علما بأنه يدرك تماما أن الرياض لا علاقة لها بمثل هذا النوع من العمليات، وبالتالي فهو يضيف مزيدا من التعقيد لعلاقات متوترة ومعقدة بالأساس بسبب ممارسات الملالي وتخبطهم في إدارة علاقاتهم مع الجوار الإقليمي.

الخلاصة أن ملالي إيران يدركون أن رهانهم على استراتيجية التريث بانتظار تولي سيد البيت الأبيض الجديد مهام منصبه رسميا في العشرين من يناير القادم باتت موضع اختبار صعب للغاية، حيث وضعت عملية اغتيال زاده كل شعارات وادعاءات النظام الإيراني موضع الشك من قبل مؤيديه من القوى الطائفية في الإقليم، وبالتالي بات الملالي بين خيارين كل منهما أصعب من الآخر، والانتظار هذه المرة ربما يفوق في صعوبته فكرة «تجرع كأس السم» التي سبق للملالي الخضوع لها كسبيل وحيد لإنهاء الحرب مع نظام صدام حسين، كما أن أي قرار بالرد الانتقامي قد تكون تكلفته القضاء التام على البرنامج النووي الإيراني، وهي تكلفة باهظة قد تنهي تماما مشروع الملالي في حكم إيران.

salemalketbiar@