عبدالخالق المحمد

تهافت الإعجاز العلمي في إعادة قراءة النص الشرعي

الأربعاء - 02 ديسمبر 2020

Wed - 02 Dec 2020

تتعدد أغراض من يدخل في (الإعجاز العلمي) الدينية والدنيوية، فمن تجارة بعض القنوات والأشخاص بالأمر إلى من تقحموه نصرة لدين الله - كما ظنوا - وحرقة على شبابه لما زلوا، وفي لجج الشك والإلحاد هووا.

والناظر في بواعث الأمر لن يستطيع أن يهمل آثار الانبهار بالحضارة الغربية، والانكسار أمام الثقافة الغالبة الأجنبية، وركوب طوفان العلوم التجريبية، وأيّا ما كان الدافع، فالجميع يخبر أنه عن الإسلام يدافع، ويأتي له بكل ما هو جديد ونافع.

ويصرح أكثرهم أن أغلب الآيات والدلائل على صدق الإسلام لم تعد مجدية نافعة للأنام، فقد مضت عليها السنين والأيام

وكلّتها الأسماع والأفهام، لذا يجتهدون في ما ذهبوا إليه من إعجاز، ومن يسبق له فقد فاز، وعلى رضا متابعيه قد حاز، لما حققه من سبق وإنجاز.

ويخبر أهل الإعجاز بأنه قد كبر عليهم إعراض كثير من المسلمين عن الإسلام، وكبر عليهم صد الملحدين عن دينهم، وهؤلاء إن صدقوا فيما أخبروا به بأنهم قد كبر عليهم إعراض الناس عن دينهم، وإلحاد كثير من شبابهم؛ فبرروا لأنفسهم بذلك ما ذهبوا إليه من إيجاد آيات ودلائل، فلا خير من رد رب البرية على خير البشرية إذ قال»وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية، ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى، فلا تكونن من الجاهلين».

إن الواحد منا يقف عند نص من نصوص الشريعة فيجد له عندهم القراءات المتعددة والمعاني المتفردة والتفسيرات المتجددة؛ بحكم تجدد النظريات وتغير حتى ما كان بالأمس في العلم من المسلمات، وأغلبها راجع على مجموع أقوال السلف بالإبطال؛ فهو رأي عندهم عليه الزمن قد طال، ونال من الاهتمام ما قد نال، في نقض صارخ لقواعد علم التفسير، بل غدا بعضهم يسخر من الطبري وابن كثير، وإذا ذكر تفسيرهم في معرض كلامه فهو للسخرية والملامة، وأمثلهم طريقة يقول: ذلك اجتهادهم وإمكانات عصرهم.. فإذا ضاعت حُجية فهم السلف لنصوص القرآن والسنة فهي فيما سواها أضيع فيما يقف على النصوص من علوم!

إن جعل النصوص قوالب فارغة، تُملأ بكل شاردة وواردة، قد سبقت له الكنيسة بعد ثورة العلم فخابت وخسرت. وحاول محمد أركون ونصر حامد أبوزيد وغيرهم كثير، نقل التجربة للإسلام، فتنبه لهم علماء الشريعة، وقطعوا لهم كل حجة وذريعة، فغدت أفكارهم طريحة صريعة، ولولا تلقف البعض لها وعرضها في الإعلام لما كان لها نصيب من صرير الأقلام، ولما دار حولها كثير الكلام، فقد أخذ هؤلاء طرق المدارس الشرقية والغربية، لإعادة قراءة النصوص الشرعية، وتقريبها للعقول العربية.

ولكن تكمن خطورة أهل الإعجاز أنهم عمدوا إلى النص الشرعي بثياب مُتدينة، وحلل مُزينة وألسن مبينة، وبضاعة في العلم الشرعي مزجاة، فكانوا عليه من البغاة، وعن أصوات كبار العلماء من الجفاة، فأسقطوا عن النص هيبته، ونزعوا قداسته، وزعزعوا ثوابته، وغيروا سمته بكف خفي، وأسلوب سحري، ونداء صاخب قوي؛ لنصرة الدين، وإعلاء كلمة المسلمين، ودحض الكفار والملحدين، وإفحام الخصوم المعاندين، فأعطوا النصوص تأويلات بعضها والله تجن على دين الله، فما هذه المعاني المؤولة مُراد النصوص، ولا يشير لها السياق لا بعموم ولا خصوص.

فإن كان الشرع قد لعن من غير منار الأرض؛ ليحفظ حقوق الناس في دنياهم، فكيف بمن غير منار نصوص الكتاب والسنة التي هي حق الله؟!

لتواكب هواه وتنيله مبتغاه وتحقق مناه، بل وبتحريف مراد الشرع من نصوصه تضيع حقوق البشرية كلها، الدنيوية والأخروية، وأول ذلك حقها في خلوص آخر رسالة ربانية من شوائب التحريف ومهازل التزييف ونواقص التشريف.

وعجبي كيف يدعي أحد نصرة النص، وهو يخالفه حتى في ما أمر به من طريقة لنصرته؟!

Abdulkhaleqalm@