مرزوق بن تنباك

قبيلة الديمقراطية وعصبيتها

الثلاثاء - 01 ديسمبر 2020

Tue - 01 Dec 2020

كنا نظن أن العصبية القبلية والحمية الجاهلية وكل ملابساتها وموجباتها وما يقبل منها وما هو مرفوض مجرم عند الناس، هي خاصية عربية خالصة لا تشوبها شائبة ولا تشتبه بها حالة غيرها، لأن العصبية متحكمة ومتأصلة في عرفنا وعاداتنا ومزاجنا الاجتماعي، ولا نجد حرجا ولا غضاضة أن نصف كل طرف منحاز لعزوته وعشيرته، معلنا نيته عن حقيقته وعن وجهته بأنه يثير عصبية قبلية وفزعة أخوية.

نعتقد ذلك عندما كنا بمعزل عن العالم من حولنا وعما فيه من المتشابهات والمختلفات والمصيب وما بعد عن الصواب، كان جسد القبيلة المسكينة هو المساحة الصالحة للتجربة وللتشريح حين نعرضه للمبضع الحاد ونكشف شرايين التغذية التي تغذي الفزعة والنخوة ونعريها في هذا الكيان المعطل إلا من تهمة العصبية وأسبابها وما يترتب عليها.

وقد سررنا أيما سرور عندما قال رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق بوش الابن قبل عدة أعوام وهو يحاول أن يقضي على أقوى بلد عربي ممانع في ذلك الوقت «من لم يكن معنا فهو ضدنا»، ليس لموافقته على هدم أركان دولة العراق العظيم وتدميرها لتكون لقمة سائغة لأعدائها، لكن لأننا ظننا أن ثقافتنا القبلية قد تسربت إلى علمه وعقله وأصبحت قيمة حيوية عنده، وأنه يخاطبنا بما نعرفه ونمارسه ونتفهم أسبابه ودوافعه، وأن تقاليدنا القبلية بعصبياتها وعلاتها وخلافاتها صارت ثقافة عالمية يتحدثها السيد بوش ويعرفها ويعتد بها.

ومضى الحال كما ظننا أكثر من عقد من السنين، وإذا الأمر لم يكن كما نظن، ذاك أنه حين بدأت الانتخابات الأمريكية هذا العام وتزعزع عرش السيد ترمب واحتاج إلى وقفة العصبية الديمقراطية ورجالها ونصرتها على الحق والباطل، أظهر في محاولاته اليائسة والبائسة كل ضروب العصبية، وأعاد قول سلفه بوش الابن حتى في أقوى دول العالم وأرسخها في الديمقراطية وفي قيمها وتقاليدها التي كنا نراها بعيدة عن التعصب والنخوة، وقد طلب الفزعة والحمية الجاهلية من كل فرد من قبيلته حزبه الجمهوري، وتحولت الديمقراطية عنده رغم ما يعرف عنها بأنها حكم الشعب للشعب بواسطة الشعب، إلى مغالبة ومخاصمة وحشد للعصبية والأعوان وأصحاب المصالح والمقربون والمطبلون حتى من خارج الأسوار التي أحكمها على أمريكا، وأصبح الحزب الجمهوري قبيلته وعصبيته التي يدعوها ويلوذ بها ويعتمد على مواقفها التي توجبها الحمية والفزعة.

دعا قبيلته أفرادا وجماعات إلى بيته الرمادي وسافر إليهم خارج ذلك البيت يطلب عونهم وعصبيتهم، وكادت تنجح حماقة رجل واحد يريد التمسك بحبال السلطة ولو على حساب الشعب الأمريكي وقيمه ومبادئه الراسخة التي قاتل لأجل بقائها واستمرارها الآباء المؤسسون للنظام الاتحادي في أمريكا، لكن تحطمت رغبات ترمب وعصبيته التي يريد إحياءها واللجوء لها على صخرة القيم العليا للشعب الأمريكي والمؤسسات الثابتة على حق المواطن الأمريكي في حرية الاختيار واحترام ذاته وصوته إلى أين يتوجه ولمن يعطيه، وأهم من كل ذلك قيام القضاء المستقل العادل الذي حقق رغبة المواطن واحترم صوته.

وعندما عجز عن جر الحزب الجمهوري إلى جانبه لم يجد شبيها لفشل محاولاته غير التعريض والسخرية من ديمقراطية العالم الثالث، فوصف ما يحدث في أمريكا بأنه شبيه بما يحدث في ديمقراطيات العالم الثالث، وقد صدق المثل العربي (عدو عاقل خير من صديق جاهل).

Mtenback@