استثناء الحضور.. استثناء الغياب
الأحد - 29 نوفمبر 2020
Sun - 29 Nov 2020
في مشهد جنائزي مهيب، شيع الأرجنتينيون أسطورتهم العالمي دييجو أرماندو مارادونا، ذلك اللاعب الذي أسعد وأبهر جمهور الكرة بحضوره الاستثنائي داخل المستطيل الأخضر طوال سنوات لعبه كرة القدم.
قمة حضور هذا النجم كانت في مونديال المكسيك عام 1986، عندما قاد بلاده لمنصة التتويج لتفوز بالكأس العالمية للمرة الثانية في تاريخها والأخيرة حتى الآن، في ذلك المساء رقصت بيونس آيرس على إيقاع ووقع ذلك الانتصار البديع، خاصة أنه كان أمام ممثل أوروبا القدير آنذاك (ألمانيا الغربية).
في تلك البطولة وتحديدا في لقاء مارادونا وإنجلترا، تداخلت السياسة مع كرة القدم واستذكر العالم حرب الفوكلاند الشهيرة التي خسرت فيها الأرجنتين معركتها أمام بريطانيا، قبل أن ينتصر المارد القصير لبلاده وبقرار عربي كون الحكم كان تونسيا، ويسدد كل فواتير تلك الخسارة، ويخرج التاج البريطاني من مضمار تلك المنافسة بعد أن سجل حضورا لافتا وهدفين استثنائيين، الأول بيده كونها اليد المؤهلة أكثر من غيرها لقيادة الأرجنتين في ذلك الظرف وتلك المناسبة، والثاني كان قصة إرادة قبل أن يكون موهبة فذة للاعب تجاوز كل التحصينات الإنجليزية من مسافة بعيدة ليسجل هدفه الإعجازي في ذاكرة التاريخ قبل أن يعكر به الشباك الإنجليزية التي تعودت أن تكون نظيفة حصينة أمام الآخرين.
بعدها في عام 1989، استؤنفت العلاقات البريطانية الأرجنتينية بعد قناعة الطرفين أن كليهما قد انتصر، فإنجلترا حافظت على الجزر ومارادونا بيده ورجله أعاد الاعتبار للأرجنتين وكرتها وشعبها، والعرب كعادتهم جيروا الفوز وما تلاه من أحداث لأنفسهم كونهم من حكم ذلك اللقاء وتحكم فيه!
لم يكتف البطل الأرجنتيني بكأس العالم في المكسيك، بل وصل إلى نهائي عام 1990 في إيطاليا، وكان قاب قوسين أو أدنى لتأكيد الحلم ليصبح حقيقة، لكن الألمان بقيادة قيصرهم بيكنباور كان لهم رأي آخر، هذا الرأي جعل دموع مارادونا تنهمر بغزارة، وهو يرى الكأس لن تعود مرة ثانية إلى بيونس آيرس، وما زالت تلك الدموع تبكي عشاق كرة القدم في كل أنحاء العالم، لأن مارادونا هو الباكي وكأس العالم ما يُبكى عليه.
شعوب العالم ترمز مواهبها وتخلع عليهم شيئا من مفاخرها وتاريخها وإنجازاتها، وهؤلاء الرموز لهم مواهب خاصة تجعلهم الاستثناء الذي يجبّ ما قبله، والمثل والمثال لمن يأتي بعده، ثم يأتي الظرف الإنساني الذي يساعد هؤلاء على البروز والتموضع على خارطة التميز والمهارة، بوصفهم أعلاما يحتفي بها الإعلام، ومفخرة تزيد من حضور وألق تلك الشعوب والبلدان.
مارادونا كان حضوره استثناء، وعشاق كرة القدم في الأرجنتين وخارجها يرونه أعظم من لعب الكرة، وأعظم من خانته نجوميته وشهرته، وهذا هو حال ومآل كثير من الموهوبين، نهاياتهم في الغالب تكون قاسية ومؤلمة، ويبدو أن تلك التراجيديا الإنسانية التعيسة والمحزنة هي الفصل الأخير المحتوم والمحتمل الذي يسجي حياة كثير من هؤلاء العباقرة الأفذاذ، قبل أن يواروا في التراب أعلاما استثنائيين صنعتهم الموهبة الفطرية وحاصرتهم الشهرة، وحصرتهم طبيعتهم البسيطة في قوالب إنسانية عجيبة وغريبة.
@alaseery2
قمة حضور هذا النجم كانت في مونديال المكسيك عام 1986، عندما قاد بلاده لمنصة التتويج لتفوز بالكأس العالمية للمرة الثانية في تاريخها والأخيرة حتى الآن، في ذلك المساء رقصت بيونس آيرس على إيقاع ووقع ذلك الانتصار البديع، خاصة أنه كان أمام ممثل أوروبا القدير آنذاك (ألمانيا الغربية).
في تلك البطولة وتحديدا في لقاء مارادونا وإنجلترا، تداخلت السياسة مع كرة القدم واستذكر العالم حرب الفوكلاند الشهيرة التي خسرت فيها الأرجنتين معركتها أمام بريطانيا، قبل أن ينتصر المارد القصير لبلاده وبقرار عربي كون الحكم كان تونسيا، ويسدد كل فواتير تلك الخسارة، ويخرج التاج البريطاني من مضمار تلك المنافسة بعد أن سجل حضورا لافتا وهدفين استثنائيين، الأول بيده كونها اليد المؤهلة أكثر من غيرها لقيادة الأرجنتين في ذلك الظرف وتلك المناسبة، والثاني كان قصة إرادة قبل أن يكون موهبة فذة للاعب تجاوز كل التحصينات الإنجليزية من مسافة بعيدة ليسجل هدفه الإعجازي في ذاكرة التاريخ قبل أن يعكر به الشباك الإنجليزية التي تعودت أن تكون نظيفة حصينة أمام الآخرين.
بعدها في عام 1989، استؤنفت العلاقات البريطانية الأرجنتينية بعد قناعة الطرفين أن كليهما قد انتصر، فإنجلترا حافظت على الجزر ومارادونا بيده ورجله أعاد الاعتبار للأرجنتين وكرتها وشعبها، والعرب كعادتهم جيروا الفوز وما تلاه من أحداث لأنفسهم كونهم من حكم ذلك اللقاء وتحكم فيه!
لم يكتف البطل الأرجنتيني بكأس العالم في المكسيك، بل وصل إلى نهائي عام 1990 في إيطاليا، وكان قاب قوسين أو أدنى لتأكيد الحلم ليصبح حقيقة، لكن الألمان بقيادة قيصرهم بيكنباور كان لهم رأي آخر، هذا الرأي جعل دموع مارادونا تنهمر بغزارة، وهو يرى الكأس لن تعود مرة ثانية إلى بيونس آيرس، وما زالت تلك الدموع تبكي عشاق كرة القدم في كل أنحاء العالم، لأن مارادونا هو الباكي وكأس العالم ما يُبكى عليه.
شعوب العالم ترمز مواهبها وتخلع عليهم شيئا من مفاخرها وتاريخها وإنجازاتها، وهؤلاء الرموز لهم مواهب خاصة تجعلهم الاستثناء الذي يجبّ ما قبله، والمثل والمثال لمن يأتي بعده، ثم يأتي الظرف الإنساني الذي يساعد هؤلاء على البروز والتموضع على خارطة التميز والمهارة، بوصفهم أعلاما يحتفي بها الإعلام، ومفخرة تزيد من حضور وألق تلك الشعوب والبلدان.
مارادونا كان حضوره استثناء، وعشاق كرة القدم في الأرجنتين وخارجها يرونه أعظم من لعب الكرة، وأعظم من خانته نجوميته وشهرته، وهذا هو حال ومآل كثير من الموهوبين، نهاياتهم في الغالب تكون قاسية ومؤلمة، ويبدو أن تلك التراجيديا الإنسانية التعيسة والمحزنة هي الفصل الأخير المحتوم والمحتمل الذي يسجي حياة كثير من هؤلاء العباقرة الأفذاذ، قبل أن يواروا في التراب أعلاما استثنائيين صنعتهم الموهبة الفطرية وحاصرتهم الشهرة، وحصرتهم طبيعتهم البسيطة في قوالب إنسانية عجيبة وغريبة.
@alaseery2