معراج الندوي

المخدرات تغزو عالم المراهقين

الخميس - 26 نوفمبر 2020

Thu - 26 Nov 2020

إن المخدرات تعتبر أخطر الأوبئة الحديثة التي تهدد المجتمعات البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، وهي ظاهرة منتشرة في كل المجتمعات بشكل كبير وتمثل خطرا رئيسيا على الصحة العقلية والنفسية والاجتماعية.

واليوم أصبحت المخدرات مشكلة عالمية تكلف البشرية كثيرا من الأرواح والنفوس أكثر مما فقدتها في الحروب العالمية.

ولا تقتصر المخدرات على مجتمع دون غيره، ولا ترحم لونا وعرقا أو شعبا دون آخر، ولا يخلو أي مجتمع بشري من هذه الآفة، ومن عصابات ترويج السموم وتجار الموت. لقد أدرك الناس على صعيد العالم أجمع خطورة المخدرات بأنها تلك الآفة التي تهدد المراهقين في صحتهم وحياتهم.

المخدرات مادة كماوية تسبب النعاس والنوم أو غياب الوعي المصحوب بتسكين الألم، في البداية يشعر المدمن بنوع من النشوة والسعادة والنشاط المتدفق، والتخفيف من الأعباء، والخلو الذهني، ولكن لا تدوم هذه الحالة طويلا، إذ سرعان ما يعقبها الكسل والهبوط واللامبالاة والضعف العام، فيحاول أن يعوضها بجرعة أخرى، وفي هذه المرحلة تظهر عليه اضطرابات سلوكية بكل أنواعها السمعية والبصرية واللمسية، فيشعر المدمن بأن كل ما يحيط به يتحرك.

تقود المخدرات إلى فقدان الوعي والشعور وربما تدفع إلى الموت المفاجئ وخاصة عندما أخذت جرعات عالية أو إذا تم الجمع بين أنواع المخدرات أو الكحول. تعمل المخدرات في نخر عظام فتقضي على كيان المجتمع وتهدم صحة أبنائه وتأكل شبانه. ينزع تعاطي المخدرات من الشباب الثقة بالنفس ويشعرهم بعدم تقدير ذاتهم ثم يؤدي بهم إلى الشعور بالإحباط الشديد.

تسهم المخدرات في بناء شخصية مضطربة، تفتقد إلى المعايير والضوابط، وما يسهل نشوء هذا الإحساس بالفشل في فهم القيم الاجتماعية وعدم قدرته على الاندماج، مما يجعل الشباب اختيار الاغتراب، وهذا الاغتراب النفسي يقود المراهقين إلى اللجوء إلى المخدرات. وإن المراهقين الذين يميلون إلى تعاطي المخدرات، يعانون من أمراض نفسية وضغوط عصبية مثل الاكتئاب والعزلة الاجتماعية، وأخيرا يلجؤون إلى المخدرات حسب ظنهم بأنها هي المخرج الوحيد من كل هذه المشكلات.

ومن الغريب أن المدمن نفسه يعرف بأنها حالة وهم وخيال يعيشها المدمن، ويعتقد من خلالها اعتقادا زائفا بأنه يعيش بحالة من الفرح والسعادة الوهمية، والحقيقة على العكس، تلك الأفكار والتوهمات جاءت نتيجة الأثر الذي تركته المادة المخدرة في جسمه. توهم هذه المادة الشباب بأنه مادة للترفية على النفس والابتعاد عن الحزن واليأس، إلا أنها أبعاد خطيرة يجب أن يدركها المراهقون بأن المخدرات ليست لعبة ولا تسلية ولا مغامرة، بل هي تهديد للحياة والصحة بكل مكوناتها.

إن الإدمان على المخدرات يسبب مجموعة من المشكلات الاجتماعية مثل تدهور مستوى الأداء في العمل، وارتفاع معدلات الجريمة، والعنف والسرقة والتزوير والاغتصاب والفشل. يقود إدمان المخدرات المراهقين إلى فساد الأخلاق، فكثير من حوادث الفساد تقع عندما يكون الفرد تحت سيطرة المخدرات، مما يؤدي إلى تفكك الأسرة وارتكاب الجرائم، فكم من جريمة ارتكبها أصحابها وهم تحت تأثير المخدرات.

إن تعاطي المخدرات وإدمانها من المشاكل المعقدة التي يشترك في أحداثها عدد كبير من المتغيرات، فهي تشكل خطرا، لا على مستوى الفرد فحسب، وإنما على مستوى الأسرة والمجتمع. ظاهرة تعاطي المخدرات في مظهرها الاجتماعي شعور بالتناقض والعجز عن مواجهة الحياة الواقعية والهروب من قسوة الحياة، فيلجأ المراهقون إلى المخدرات لتحقيق فيها السعادة الوهمية المؤقتة.

ومن مشاكل المراهقة الإحساس في العصر الحاضر بالاغتراب والتمرد، فيتمرد المراهق على القيم والتقاليد السائدة، وهذا التمرد يدفعه إلى تعاطي المخدرات كوسيلة للهروب من الواقع، الذي يشعر بعدم الانتماء إليه وعدم تقبله، كما يشعر بالانتماء إلى مجموعة الرفاق، لذا يلجأ إلى المخدرات هروبا من الواقع بما يحمله من توترات بحثا عن الاستقلالية.

إن المخدرات آفة العصر ومدمرة العقول وقاتلة النفوس تغزو عالم المراهقين، ولا تنقطع خطورة الأمر الذي لا يدركه المراهقون في تسميم حاضرهم وهلاك مستقبلهم، وتبقى التحذيرات متلاحقة حول المخدرات ونتائجها الوخيمة، فهي ليست وسيلة للتخلص من مشكلة يعانيها المراهقون، بل هي مشكلة بحد ذاتها، تفسد الصحة والحياة.

[email protected]