عبدالله الزرقي

أطفال الشوارع

الاثنين - 23 نوفمبر 2020

Mon - 23 Nov 2020

لم أتمالك نفسي وأنا أقف عند الإشارة الضوئية إلا بالحديث إلى طفلة لم تتجاوز سنها الخامسة، بالكاد تنطق الحرف تحت أشعة الشمس عند الواحدة ظهرا في الصيف اللاهب.

هذه الطفلة وهي تتصبب عرقا وقد جف ريقها وشحب وجهها وامتصت حرارة الجو ما تبقى منها من ماء ونضارة وجه، تستجدي لبيع فُوَط وجه بخمسة ريالات.

توقفت حائرا وقد أخذتني العاطفة وأنا أب وعندي طفلة في عمرها تتنعم بالألعاب والبرودة داخل منزلها.

هذا الاستجداء لم يأت محض صدفة، ولم يكن عابرا، وشوارع جدة تمتلئ عند كل إشارة مرور بأولئك الأطفال الذين تم اغتيال طفولتهم عن قصد وبأسلوب يميل إلى التسول أكثر منه إلى التجارة.

ومع أن قوانين الطفولة في كل أنحاء العالم تمنع تشغيل الأطفال دون سن الثامنة عشرة، إلا أنها تبدو مألوفة عند بعض الشعوب حتى لو كان الأمر يمر على حساب جسد مثل هذه الطفلة الهزيل.

هذا الوافد الذي أتى للعمرة والحج وحج ولم يعد إلى دياره، يترك علامات من التعجب في غدوهم ورجعتهم بلا حسيب أو رقيب.

يأتي الحاج هو وزوجته ثم تبدأ عملية المخالفة والاستيطان والتكاثر، وينشأ أطفال بعيدا عن أوطانهم محرومين من طفولتهم ومدارسهم، مشردين ما بين زقاق وحارة، متمرسين في أعمال التسول منذ الصغر، ويكبر هؤلاء الأطفال دون هوية ودون تعليم، ليصبحوا حملا على كاهل أرض الوطن، لا يعلم مصيرهم إلا الله، ولا نعلم ماذا يعملون إذا كبروا.

السؤال: أين مكافحة التسول عن والد ووالدة هذه الطفلة وهي تسرح وتمرح عند إشارات المرور، معرضة نفسها لخطر السيارات لا قدر الله أو لمريض نفسي قد يفعل بها الأفاعيل!

والسؤال الآخر: من المسؤول عن إسكانهم والتستر على مخالفي نظام الإقامة بدعوى الرحمة، والرازق الله، ومساكين، وخلافه؟

متى يفيق المواطن من العاطفة الشعوبية ويحترم قوانين بلده في عدم إسكان هؤلاء؟! أين واجب المواطن تجاه وطنه من هذا الخطر الأمني في أن تصبح البلد مستودعا بشريا للمخالفين من دول العالم؟!

متى يتم تفعيل الرقابة الصارمة على «حج ولم يعد»؟!

سيكبر هؤلاء الأطفال يوما ما ويصبحون هاجسا أمنيا لا نستطيع السيطرة عليه، وتستمر الكارثة مرة أخرى بإنجاب أطفال شوارع.