طلال الشريف

استراتيجية قمة العشرين في 2020

السبت - 21 نوفمبر 2020

Sat - 21 Nov 2020

برعت المملكة العربية السعودية في إدارة ملف استضافة قمة مجموعة العشرين، في ظروف استثنائية على مستوى العالم كادت تهوي بكثير من اقتصاديات العالم وتفتت علاقات الدول بالتخلي عن مسؤولياتها المشتركة في الحفاظ على الاستقرار والرفاه العالمي، وهو امتداد طبيعي لنهج المملكة الاستراتيجي منذ عام 2016، وممارسات قيادتها الاستراتيجية العميقة وتحولاتها النوعية لإعادة اكتشاف ذاتها من جديد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأخذ مكانها الطبيعي في خارطة العالم المعاصر.

بدأت استراتيجية القمة «بتحليل» القائد الاستثنائي في تاريخ المملكة العربية السعودية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لواقع قمة العشرين، وسياسات الدول الأقوى اقتصادا وتأثيراتها على العالم وتحليله لواقع المملكة ومستقبلها وتحولاتها الإصلاحية وتطوراتها النوعية ليسند لولي العهد الأمير محمد بن سلمان حضور قمة العشرين 2019 في اليابان، وإدارة ملف قمة العشرين في 2020 استمرارا لنظرته الثاقبة وثقته المطلقة في ولي العهد وكفاءته في تمثيل المملكة مع زعماء العالم، ونجاحه الكبير في إدارة ملف رؤيتنا الاستراتيجية في 2030 وإنجازاتها القياسية، وينفذ ولي العهد التوجيه الاستراتيجي ويعلن التزام المملكة خلال رئاستها للمجموعة بمواصلة العمل الذي انطلق من أوساكا باليابان وتعزيز التوافق العالمي والتعاون مع شركاء المجموعة للتصدي لتحديات المستقبل، ويستعرض في كلمته أمام القمة «رؤية المملكة وأهدافها لقمة العشرين»، من خلال تقديمه نبذة عن برنامج رئاسة المملكة الشمولي للقضايا الملحة والتحديات التي تواجه القطاعات الاقتصادية ‏في المستقبل، ودعم ونمو الابتكار في العالم، وتحقيق الرفاهية، وتمكين شعوب العالم، والحفاظ على الأرض، بالإضافة إلى صياغة السياسات والمبادرات الاقتصادية والحلول التي من شأنها التصدي لهذه التحديات بالتعاون المشترك مع دول مجموعة العشرين، وبما يتوافق مع برامج ومبادرات رؤية المملكة 2030، في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي والتنمية المستدامة، وتمكين المرأة وتعزيز رأس المال البشري وزيادة تدفق التجارة والاستثمار.

ويقابل سموه على هامش القمة معظم زعماء العالم في حوارات كبيرة ومتنوعة لتعزيز العلاقات والتمهيد والتهيئة لمضمون قمة العشرين في المملكة.

وفي الأول من ديسمبر 2019 أطلقت المملكة بداية رئاستها لمجموعة العشرين، وبدأ التحضير للقمة من خلال ثلاثة مسارات حكومية، المسار المالي لاجتماعات وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية ونوابهم، ويركز هذا المسار على القضايا المرتبطة بالسياسات المالية والنقدية، ومسار الخبراء لاجتماعات الوزراء وكبار المسؤولين المختصين من مختلف الجهات الحكومية، ويركز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ومسار مجموعات التواصل التي تمثل مجموعات المجتمع المدني، وهنا عملت على صياغة «رسالتها للقمة» بتصميم شعار القمة من خيوط السدو الملونة المستوعب لألوان الدول المشاركة، وهو أحد أنواع النسيج البدوي التقليدي المنتشر في شبه الجزيرة العربية والمدرج من منظمة اليونسكو العالمية على قائمة التراث غير المادي للبشرية، ليعكس الهوية المكتوبة لشعار «فرصتنا لنلهم العالم برؤيتنا»، وقررت تنسيق أعمال مجموعة العشرين تحت شعار «اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع»، وأعلنت عن برنامجها التفصيلي لرئاسة مجموعة العشرين، متضمنا ثلاثة محاور رئيسية «أهداف»، تمس قضايا الإنسان المعاصر، وهي تمكين الإنسان والحفاظ على كوكب الأرض وتشكيل آفاق جديدة.

تناولت في محورها الأول تمكين الإنسان بتهيئة الظروف التي يتمكن فيها الجميع، خاصة النساء والشباب، من العيش والعمل وتحقيق الازدهار من خلال إتاحة الوصول إلى الفرص للجميع، وإزالة العوائق أمام الفئات الأقل حظوة بالفرص، وتعزيز الشمول المالي للنساء والشباب واتخاذ إجراءات ملموسة لتمويل خطة التنمية المستدامة 2030، ودعم الوصول إلى الأنظمة الصحية الآمنة والمتمركزة حول الإنسان، وخلق وجهات سياحية شمولية.

وفي محور الحفاظ على كوكب الأرض، عملت المملكة على تعزيز الجهود المشتركة لحماية الموارد العالمية، من خلال إيجاد نظم طاقة أكثر نظافة واستدامة لعصر جديد، ووضع مناهج عملية لضبط الانبعاثات، والتركيز على الوصول إلى الطاقة، واستخدام جميع مصادرها لتعزيز التنمية المستدامة والحد من تدهور الأراضي بإعادة تشجير كوكب الأرض، وتحسين عملية إدارة المياه والحد من الفقر والهدر العالمي للغذاء.

وفي محورها الثالث تشكيل الآفاق الجديدة، عمدت إلى تبني استراتيجيات جريئة وطويلة المدى لمشاركة منافع الابتكار والتقدم التكنولوجي من خلال الاستفادة من التقنية في البنية التحتية، وإيجاد حل عالمي لمعالجة التحديات الضريبية الناشئة عن رقمنة الاقتصاد، وتطوير المدن الذكية والذكاء الاصطناعي الموثوق، وجني منافع دخول شركات التقنية الكبرى في المجال المالي، ومواجهة التحديات الناشئة وضمان المتانة السيبرانية.

لتنتهي المملكة من المرحلة الأولى وهي صياغة استراتيجية قمة العشرين في صورة مثالية ونموذجية وشمولية وبمشاركة وطنية كبيرة، وتبدأ المرحلة الثانية من استراتيجيتها بالتنفيذ الفعلي لبرنامجها التفصيلي، من خلال تسخير كل الموارد والإمكانات الوطنية وتنظيم الأعمال، فاستضافت أكثر من 180 من ورش العمل والندوات والاجتماعات لوزراء ومسؤولين وممثلي مجموعات التواصل (مجموعة الأعمال والشباب والعمال والفكر والمجتمع المدني والمرأة والعلوم والمجتمع الحضري وأضافت مجموعة قادة اقتصاد الفضاء) ليس ذلك فحسب، بل استجابت بسرعة فائقة لتداعيات جائحة كورونا.

واستضافت المملكة القمة الافتراضية لمجموعة العشرين في 26 مارس 2020 برئاسة خادم الحرمين الشريفين لمناقشة تنسيق الجهود العالمية لمكافحة جائحة كورونا، والحد من تأثيرها الإنساني والاقتصادي في لفتة عظيمة تعكس كفاءة المملكة في إدارة الأزمات، واستشعارها مسؤوليتها الدولية في قيادة ورئاسة مجموعة العشرين، وإقناع القادة بالالتزام والتعهد ببذل كل ما يمكن للتغلب على الجائحة وحماية الاقتصاد العالمي واضطرابات التجارة العالمية، وتعزيز التعاون الدولي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.

كما أطلقت المملكة على هامش عام الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين برنامج المؤتمرات الدولية، التي تناقش موضوعات تتقاطع مع أولويات مجموعة العشرين، بمشاركة منظمات ودول كالملتقى العالمي لاقتصاد الفضاء، والمنتدى العالمي لتحديات الملكية الفكرية، واجتماع اللجان الأولمبية الوطنية، وقمة الرياض للمواصفات والمقاييس، والاجتماع الوزاري لوزراء الثقافة لدول مجموعة العشرين، وقمة مستقبل الضيافة، والقمة العالمية للذكاء الاصطناعي، وقمة الرياض العالمية للصحة الرقمية، وغيرها.

وحرصت المملكة على «رقابة وتقويم أعمال القمة» منذ تسلمها رئاسة مجموعة العشرين، وكشفت بحسب أرقام موثقة وتقييم تجارب المشاركين في الاجتماعات الافتراضية والفعلية عن رضا عال جدا حول تجربة الوفود المشاركة في الاجتماعات، وتمكينهم من أداء أعمالهم، وأظهرت الأرقام الرسمية لاجتماعات مجموعة العشرين مشاركة واسعة لمجموعات التواصل ومشاركة ممثلين حكوميين في اجتماعاتهم، وأنها الأعلى مقارنة بالسنوات الماضية.

لقد حرصت القيادة في المملكة على إدارة القمة بمنظور استراتيجي راعت فيه كل العوامل والمتغيرات في البيئة الدولية والمحلية، وتمكين المعنيين في دول قمة العشرين من أداء أعمالهم رغم ظروف جائحة كورونا، لتؤكد للعالم استمرارية كفاءة القيادة السعودية والشعب السعودي في تحمل مسؤولياتهم الدولية وفاعليتهم في المحافظة على استقرار العالم ورفاهية الشعوب، وستكون قمة قادة مجموعة العشرين يومي 21و22 نوفمبر 2020 في الرياض مسك الختام لرئاسة أصعب قمة عبر التاريخ لمجموعة العشرين، وسيبقى أثرها العالمي محل إشادة المنصفين في العالم ودعاة الاستقرار والسلام العالمي، ومحل فخر كل مواطن سعودي بإنجازاته الوطنية والدولية.

drAlshreefTalal@