الضوء الأسود!
الثلاثاء - 12 يوليو 2016
Tue - 12 Jul 2016
يظل يدور في فضاء السطر، يخرج الحروف من مخابئها، ويتذوقها حرفا حرفا، فيرتبها بأولوية (الحلاوة)، ثم يعود إليها تكرارا ومرارا، (يضيف/ يحذف/ يبدل) ويستمر هكذا زمنا، ثم يقرر أن يترك كل شيء يبرد، ويلهو في أشياء أخرى، وبعد زمن يعود إلى ما رتب، يبحث عن (الدهشة) فإن شعر بها حقا، اكتنز بكامل الرضا، وإن غابت، نكّس رايات رحلته، وغادرها إلى محطة أخرى، يمارس فيها ذات الطقوس.
إنه المبدع، الذي يظل سادرا كالنحلة في كل فضاء، لا يبحث إلا عن الورد والجمال، يجمع رحيق الأفكار، يسكبها في خلايا اللغة، يعتقها، ثم يخرجها جمالا يدير الرؤوس، تتلقفه الأفهام من كل جهاته، كقطعة الحرير، ذاك يتحسس رهافتها، وتلك تتأمل ألوانها، وهذا يحيط بها جسد واقعه، وهذه تلتحفها، ثم أياد أخرى تعتاش بها، فهذا يمزق ويعيد، وذاك يشرح، وتلك تصانع قطعة تحاكي الأصل، حتى يبلغ العطر مداه.
المبدع في عالمنا العربي خاصة في الفكر والأدب، غالبا ما يبقى مطمورا تحت أكوام التهميش، حتى صار الفقر قرين الأدباء، فقيل قديما (فلان أدركته حرفة الأدب)، لذلك غالبا ما تكون علاقات الأدباء الاجتماعية والاقتصادية محدودة، ربما تضيق إلى درجة العزلة، لأنهم لا يشبهون الآخرين في تكوينهم العاطفي والفكري والسلوكي، وليست هذه قاعدة قطعية، لكنها تغليبية، فكثير من المبدعين العظام لم يعرفهم الناس إلا بعد موتهم، أو بتعبير أدق (لم يعرفوا قيمة أدبهم)، ومن أولئك الشاعر محمد الثبيتي يرحمه الله.
حين ننظر اليوم إلى الساحة الأدبية، فإننا نجد إبداعا ومبدعين، لكن الإبداع موهبة لا تؤخذ بالتعلم ولا بالمراس، فإن أجاد الإنسان قواعد الفن، يظل ماء الموهبة الربانية هو الفيصل، وبنظرة بسيطة على العصر العباسي، نجد مئات الشعراء، فالشعر موجود بغزارة، لكن الموهبة العظمى هي التي أحيت المتنبي وأبا تمام والبحتري في الذواكر، وأحيت أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والشابي ودرويش والجواهري والقباني والثبيتي والبردوني، لكنه من غير الإنصاف أن نحرم ما دون هذه القمم الموهوبة من حقها الإبداعي، فهناك مواهب لكنها مقسومة كالرزق المتفاوت بحكمة الله بين الناس، حتى تصل إلى حديدة العائل السروق!
لم ينته الإبداع بهذه القامات، سواء على مستوى الشعر أم القصة أم الرواية أم النثر الإبداعي وغيره، ولو انتهى بهم لانتهى بمن قبلهم، بل الثقافة ولادة، وفي الساحة مبدعون كبار، يستحقون الالتفات وإنزالهم منازلهم من التقدير والشهرة والإكبار، فالرموز المبدعة ثروة حقيقية للأمم، وهنا يأتي دور وزارة الثقافة، وهيئة الثقافة والمؤسسات الثقافية والإعلامية، والأخيرة هي سبب كتابة هذا الموضوع فالبرامج التلفزيونية الرمضانية على القنوات الشهيرة، التي تتسابق على استضافة النجوم من مشاهير الفن، والشعر الشعبي، لم تنزع إلى استضافة المبدعين من الأدباء والمفكرين المهمين، ولن أدخل في فخ الأسماء لأنهم كثيرون، لكن إعلامنا سادر في غفلته، يدار بأدمغة همها (آنيّ) لا يتجاوز إحصاءات المشاهدة لاستقطاب المعلنين، والمضحك المبكي أن المثقفين تائهون، فالقنوات الشهيرة تشير بوصلتها غالبا إلى الفن المعتاش على الأدب، والقنوات الدينية فئوية لا ترى المثقفين على شيء إلا إن كانوا في فلكها، أما القنوات الرسمية فتقوم ببعض الدور، لكن معادلة الاتصال ناقصة لغياب (المستقبِل)!!
ثم على المستوى النقدي (المعتاش على الإبداع) أيضا، فلبوصلاته وجهات هو الآخر، فإن كان المبدع ذا منصب وجاه، فالأقلام تتسابق إليه إن كان أميرا أو وزيرا أو تاجرا مليئا، أما إن كان ممن أدركتهم حرفة الأدب، فربما الجنس يحدد البوصلة عند البعض حتى وإن قل ماء الموهبة، أما الوجهة الأخرى فتكون (الصحبة) أو ما تعرف (بالشللية)، أو الوجهة (المناطقية) أيضا، ثم الموجه الأخير يأتي من خلال أضواء (الشهرة) للمبدعين البسطاء، عملا بقوله تعالى (انظرونا نقتبس من نوركم)، وجل هذه الممارسات على الإبداع والمبدعين (نفعية) قليلة الحياد، أما الدراسات الجادة فمحدودة، لكن (العوار الحقيقي) حين يطلب الناقد من المبدع صراحة (مقابلا) للكتابة عن إبداعه، وهذا معروف ومشهود.
إنه المبدع، الذي يظل سادرا كالنحلة في كل فضاء، لا يبحث إلا عن الورد والجمال، يجمع رحيق الأفكار، يسكبها في خلايا اللغة، يعتقها، ثم يخرجها جمالا يدير الرؤوس، تتلقفه الأفهام من كل جهاته، كقطعة الحرير، ذاك يتحسس رهافتها، وتلك تتأمل ألوانها، وهذا يحيط بها جسد واقعه، وهذه تلتحفها، ثم أياد أخرى تعتاش بها، فهذا يمزق ويعيد، وذاك يشرح، وتلك تصانع قطعة تحاكي الأصل، حتى يبلغ العطر مداه.
المبدع في عالمنا العربي خاصة في الفكر والأدب، غالبا ما يبقى مطمورا تحت أكوام التهميش، حتى صار الفقر قرين الأدباء، فقيل قديما (فلان أدركته حرفة الأدب)، لذلك غالبا ما تكون علاقات الأدباء الاجتماعية والاقتصادية محدودة، ربما تضيق إلى درجة العزلة، لأنهم لا يشبهون الآخرين في تكوينهم العاطفي والفكري والسلوكي، وليست هذه قاعدة قطعية، لكنها تغليبية، فكثير من المبدعين العظام لم يعرفهم الناس إلا بعد موتهم، أو بتعبير أدق (لم يعرفوا قيمة أدبهم)، ومن أولئك الشاعر محمد الثبيتي يرحمه الله.
حين ننظر اليوم إلى الساحة الأدبية، فإننا نجد إبداعا ومبدعين، لكن الإبداع موهبة لا تؤخذ بالتعلم ولا بالمراس، فإن أجاد الإنسان قواعد الفن، يظل ماء الموهبة الربانية هو الفيصل، وبنظرة بسيطة على العصر العباسي، نجد مئات الشعراء، فالشعر موجود بغزارة، لكن الموهبة العظمى هي التي أحيت المتنبي وأبا تمام والبحتري في الذواكر، وأحيت أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والشابي ودرويش والجواهري والقباني والثبيتي والبردوني، لكنه من غير الإنصاف أن نحرم ما دون هذه القمم الموهوبة من حقها الإبداعي، فهناك مواهب لكنها مقسومة كالرزق المتفاوت بحكمة الله بين الناس، حتى تصل إلى حديدة العائل السروق!
لم ينته الإبداع بهذه القامات، سواء على مستوى الشعر أم القصة أم الرواية أم النثر الإبداعي وغيره، ولو انتهى بهم لانتهى بمن قبلهم، بل الثقافة ولادة، وفي الساحة مبدعون كبار، يستحقون الالتفات وإنزالهم منازلهم من التقدير والشهرة والإكبار، فالرموز المبدعة ثروة حقيقية للأمم، وهنا يأتي دور وزارة الثقافة، وهيئة الثقافة والمؤسسات الثقافية والإعلامية، والأخيرة هي سبب كتابة هذا الموضوع فالبرامج التلفزيونية الرمضانية على القنوات الشهيرة، التي تتسابق على استضافة النجوم من مشاهير الفن، والشعر الشعبي، لم تنزع إلى استضافة المبدعين من الأدباء والمفكرين المهمين، ولن أدخل في فخ الأسماء لأنهم كثيرون، لكن إعلامنا سادر في غفلته، يدار بأدمغة همها (آنيّ) لا يتجاوز إحصاءات المشاهدة لاستقطاب المعلنين، والمضحك المبكي أن المثقفين تائهون، فالقنوات الشهيرة تشير بوصلتها غالبا إلى الفن المعتاش على الأدب، والقنوات الدينية فئوية لا ترى المثقفين على شيء إلا إن كانوا في فلكها، أما القنوات الرسمية فتقوم ببعض الدور، لكن معادلة الاتصال ناقصة لغياب (المستقبِل)!!
ثم على المستوى النقدي (المعتاش على الإبداع) أيضا، فلبوصلاته وجهات هو الآخر، فإن كان المبدع ذا منصب وجاه، فالأقلام تتسابق إليه إن كان أميرا أو وزيرا أو تاجرا مليئا، أما إن كان ممن أدركتهم حرفة الأدب، فربما الجنس يحدد البوصلة عند البعض حتى وإن قل ماء الموهبة، أما الوجهة الأخرى فتكون (الصحبة) أو ما تعرف (بالشللية)، أو الوجهة (المناطقية) أيضا، ثم الموجه الأخير يأتي من خلال أضواء (الشهرة) للمبدعين البسطاء، عملا بقوله تعالى (انظرونا نقتبس من نوركم)، وجل هذه الممارسات على الإبداع والمبدعين (نفعية) قليلة الحياد، أما الدراسات الجادة فمحدودة، لكن (العوار الحقيقي) حين يطلب الناقد من المبدع صراحة (مقابلا) للكتابة عن إبداعه، وهذا معروف ومشهود.