نمر السحيمي

الفنون وأثرها على التحول في الفكر والثقافة بالمملكة

السبت - 14 نوفمبر 2020

Sat - 14 Nov 2020

لا يكفي الاعتزاز الكلامي الإنشائي في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لترسيخ قوة أي دولة في أي مجال؛ لتؤثر هذه القوة في ثقافة شعبها، بل هناك عدة إجراءات أو طرق لتكون هذه القوة ضمن أسس الفكر والثقافة لشعب أي دولة.

وحتى يُدعم اللا وعي المجتمعي وتبرز لديه قوة وطنه، فلا بد إذن من ارتقاء المُخطط ليكون هدفه رفع وعي الشعب لمستوى قوة الدولة، ليس لمبرر الاعتزاز فحسب، بل لأهداف كثيرة من أهمها التحفيز على العمل الجاد للشعب والاستفادة من قدرات وإمكانات الوطن.

وتبرز قوة الدولة من خلال عناصر القوة الوطنية، وهي عناصر متعددة، لكن التصنيف العلمي يبرز عناصر القوة الوطنية في أربعة مجالات: هي: القوة السياسية، القوة الاقتصادية، القوة العسكرية، القوة المعلوماتية، وحين ترتقي هذه المجالات وتبرز فإن الدولة تكون من الدول القوية في العالم، وإذ كانت كذلك فلا بد إذن أن يُخالط الشعور بهذه القوة فكر وثقافة شعبها، ليس لدى النخبة فحسب من الشعب الممارسين للعمل في هذه المجالات، بل لجميع أفراد الشعب بكل أفراده وأطيافه.

وتعد المملكة اليوم من دول العالم القوية من خلال مقياس عناصر القوة الوطنية المعتمدة: السياسية والاقتصادية والعسكرية والمعلومات، حيث تتجه بلادنا إلى المستقبل بخطى واثقة، وتسير وفق خطط استراتيجية غاية في الدقة.

والمملكة وهي العضو الفاعل في مجموعة العشرين العالمية، التي تهدف إلى الجمع الممنهج لدول صناعية ومتقدمة مهمة، بغية نقاش قضايا أساسية في الاقتصاد العالمي، فإن ذلك مؤشر يكفي على أن بلادنا هي إحدى الدول العشرين القوية المؤثرة في العالم.

وتمثل رؤية المملكة 2030 مشروعا عملاقا، خلق برنامج التحول فيه تغييرا إيجابيا في المجتمع السعودي، إعدادا لهذا المجتمع ليواكب العصر، ويحمل أمانة دينه الوسطي ووطنه الآمن، ليمثلهما أمام الإنسانية ويشاركها عمارة الأرض.

أعود لطرح رؤيتي التي أتمنى أن يعتمدها المخططون لمستقبل المملكة وشعبها؛ حتى تقترن قوتنا بفكرنا وثقافتنا.

تتمحور هذه الرؤية حول التركيز على الانطلاق من الآداب والفنون، لترسيخ الفكر والثقافة من خلال تطبيقاتها على الواقع، لا أن نكتفي بتلقين أو تعليم الفكر والثقافة نظريا في المدارس والجامعات، لأنه لا يمكن أن يرسخ الفكر وترسخ الثقافة في اللا وعي الإنساني بمجرد التلقين والتعليم النظري.

وتعد الآداب والفنون البصرية أو المحسوسة والمشاهدة إحدى الركائز المكونة للفكر والثقافة حتى للإنسان الأمي، فهي تخلق في نفس الإنسان مستوى عاليا من الوعي بما حوله، مما ينعكس إيجابا على

فكره وثقافته.

ومن أهم الآداب والفنون التي تقدم تطبيقات عملية لعناصر قوتنا: المجسمات والأشكال والرسوم الجمالية، وغيرها من فنون النحت واللوحات المعبرة التي يجسد مخترعوها واقع المملكة ونهضتها كما هي، مما سيعبر أمام المشاهد والمتأمل عن عناصر القوة، حيث يجب تعميم وجود هذه الآداب والفنون في كل مدننا ومحافظاتنا ومواقعنا التاريخية والحضارية، وإنجازاتنا العمرانية ومطاراتنا ومنافذ الدخول البرية والبحرية وغيرها، بل وإعداد المسابقات لجذب أرباب هذه الصناعة لتكون بديلا ظاهرا للصور والمشاهد القديمة في وسائل إعلامنا.

ولعل برنامج الابتعاث الثقافي الذي أعلن عنه وزير الثقافة بدر بن عبد الله بن فرحان عام 2019 يحقق بعض المأمول في هذا المجال، حيث يهدف إلى ابتعاث عدد من الطلاب والطالبات لأرقى جامعات العالم لدراسة عدد من التخصصات الفنية والأدبية مع تفرعاتها، من أهمها:

المسرح والسيرك ومجموعة الفنون الأدائية الأخرى، والفنون البصرية ومنها: الرسم والنحت فن الخط التصوير الفوتوغرافي والتصوير السينمائي، وصناعة الأفلام والرسوم المتحركة «الأنميشن» وأفلام الحركة، وعلم الآثار وإعادة ترميم التراث، والتصميم الجرافيكي، وفنون العمارة كالهندسة المعمارية وهندسة المناظر الطبيعية والتصميم والتخطيط الحضري. والمتاحف.. إلخ.

وهذا البرنامج بتخصصاته العلمية العديدة سيسهم بإذن الله مع غيره من البرامج قي تحقيق المأمول والارتقاء بالفكر والثقافة إلى مستوى القوة والمكانة التي وصلت إليها المملكة؛ لا من أجل التنافس مع دول العالم في هذه الفنون كما يعتقد البعض، بل من أجل التحول بفكرنا وثقافتنا إلى المستوى المشرف الذي وصلت إليه بلادنا، وهذا التحول سيكون نتيجة طبيعية لمن يعلم أثر تطبيقات الآداب والفنون على الفكر والثقافة في أي شعب أو أمة.

ولا شك أنه بتعميم الآداب والفنون الهادفة التي تعبر عن عناصر قوتنا الوطنية والتعريف بها سيمثل ذلك للمواطن اعتزازا محسوسا بقوة وطنه، وهو أبلغ بكثير من مشاهدته لملايين الصور والمقاطع المشتتة لذهنه بلا هدف، كما أنها أكثر تأثيرا من أي وسيلة في هذا الجانب خاصة.

زيارتي لبعض الدول خلقت في ذهني أهمية الآداب والفنون الهادفة، بوصفها وسيلة فاعلة من وسائل التعريف بالدول وإظهار قوتها، مما يخلق ولا شك الاعتزاز بالوطن في نفوس أبناء هذه الدولة أو تلك ومن ثم اقتران هذا الاعتزاز بفكرهم وثقافتهم وتأثر هذا الفكر وتلك الثقافة إيجابا، وهو الملموس والمحسوس والمشاهد في كل دول العالم المتقدم.

وإن المملكة، وقد وصلت بعقلها النخبوي إلى ميدان القوة والتنافس مع دول العالم المتقدمة، قادرة بإذن الله على أن تصل إلى هذا الميدان أيضا، ومعها كل شعبها بما يحمله من فكر أصيل وثقافة أصيلة، ليبهر هذا الشعبُ العالمَ، فكله اعتزاز بأرضه وقيادته وتاريخه العظيم.

@alsuhaimi_ksa