زيد الفضيل

عصر التمكين

السبت - 14 نوفمبر 2020

Sat - 14 Nov 2020

في كلمته الضافية بمجلس الشورى أشار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، إلى ما بلغته المرأة السعودية من تمكين أهّلها لتتولى أعلى المناصب القيادية في دولتنا الفتية، وهو ما أكده بعد ذلك ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان حفظه الله في تصريحه الشامل، حيث أوضح أن المرأة السعودية قد عانت من أمور باتت اليوم ميسرة، بل وصارت تعيش في الوقت الراهن تمكينا غير مسبوق، إذ لم تكن في الماضي القريب تستطيع السفر بدون تصريح من ولي أمر قد يكون في غالب الأحيان ابنا لها، كما لم يكن بوسعها حضور المناسبات الرياضية والثقافية، ناهيك عن حقها في قيادة السيارة، إلى غير ذلك من العوائق غير المبررة دينا.

على أنها قد باتت اليوم وفق تصريح سموه المهم شريكا لأخيها الرجل السعودي في تنمية الوطن دون تفرقة.

حقا إنما النساء شقائق الرجال كما ورد عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما جاء ديننا الحنيف ليؤكده في كثير من تجلياته العملية منذ عهد التكوين وإلى ما قبل طغيان ما عرف اصطلاحا بالصحوة في حياتنا المجتمعية، التي لم تكن في حقيقتها سوى خيبة ونكسة، جاء الأمير الشاب ليخلصنا من تبعاتها، ويحررنا من قيدها الفكري والمفاهيمي، بعد أن أرهقت حياتنا، وشوهت إنسانيتنا وفطرتنا السليمة، والله العالم بحال مصيرنا لو استمر الأمر على ما كان عليه من تطرف وشطط، لكن رحمته بنا كانت أكبر، فأرسل إلينا هذا الأمير الشاب المكتنز بسمات الوعي، وتلك نعمة منّ الله بها علينا.

في تلك الحقبة السوداء من عمر الزمن، عمل دعاة الصحوة والإسلام السياسي على تجسيد ازدرائهم للمرأة، من خلال إعادة تصدير ما ترسخ في التراث التوراتي من أنها نجس وعار وعورة، وأنها أصل الخطيئة، كما لم تبلغ حد الرشد، فهي بفهمهم القاصر ناقصة عقل ودين، ولذلك كان انطلاقهم في النظر إليها من منظار الشك والريبة ابتداء، وهو ما وضح في كثير من أحاديثهم حال رفضهم القاطع دون وجه شرعي لقيادتها السيارة، حيث شاع عن عديد منهم القول بأنها: يمكن أن تخرج ليلا في أمر غير أخلاقي ودون علم أحد، ولعمري فذلك اتهام وقذف مجرم لعموم النساء بارتكاب الخطيئة، مع الأسف الشديد، وكأن ذلك هو الثابت في بوصلة قيمها الأخلاقية!

ومعاذ الله أن تكون المرأة العربية الحرة على ذلك، بل ووصل بأحدهم ليقول إنها ستفقد قدرتها على الإنجاب في حال قيامها بقيادة السيارة بنفسها، إلى غير ذلك من المضحكات المبكيات التي لا أظن عاقلا يتصورها في يوم من الأيام، لكنه كان واقعا في يوم من الأيام، ولا تزال بقاياه على الساحة حتى اليوم، حيث خرج مؤخرا أحد مشاهير دعاة تلك المرحلة ليقول: بأن المرأة ليست إلا للمتعة فقط، وكان سابقا قد قال بأنها عار يفرح الأب بالتخلص منها حال زواجها.

وفي كلا الحالتين لم ينظر إليها باعتبارها إنسانا موازيا له في الخلق والتكليف، وشقيقة له في الفعل والإرادة، والأجر والذنب، بل لعلها تكون أفضل منه لما حباها الله من قدرة على احتضان ما يتخلق في أحشائها من إنسان بأمره وقدرته جل وعلا.

في هذا السياق أشير إلى أن الله قد ضرب أفضل النماذج الإنسانية في كتابه المحكم بالمرأة، فهي مريم بنت عمران الطاهرة المطهرة، وهي امرأة فرعون الصالحة المؤمنة، وهي ملكة سبأ الحكيمة المتجلية بعقلها، وهي خديجة بنت خويلد الحضن الدافئ، والعقل الراجح، والنصير المؤازر، التي اختارها الله لتكون رفيقا وسندا لخاتم أنبيائه ورسله، فظلت ساكنة في فؤاده حتى مات صلى الله عليه وآله وسلم، ثم هي أم سلمة بوعيها، وعائشة بفقهها، والبتول فاطمة الزهراء أم أبيها كما كان يحلو لرسول الله مناداتها به، وهي بعد ذلك كثير من النماذج النسوية في تاريخنا، اللاتي نفخر بهن عقلا وحكمة وقيادة وتربية، وصولا إلى ما نعيشه اليوم في وطننا الأبي من شخصيات نسائية نعتز بها، وليست سمو الأميرة ريما بنت بندر سفيرة خادم الحرمين الشريفين في الولايات المتحدة الأمريكية، ومعالي الدكتورة حنان الأحمدي مساعدة رئيس مجلس الشورى، وغيرهما في مختلف قطاعات الدولة الحكومية والأهلية، إلا نماذج من سيدات عظيمات سبقن في حضارتنا الإسلامية وقت ازدهارها وتحررها من غبش الموروث التوراتي من جانب، وقيد الأيديولوجيات المتطرفة من جانب آخر، فشكرا قيادتنا الرشيدة.

zash113@