فن النحت بحضارات شمال وشرق المملكة ضارب في القدم

الخميس - 12 نوفمبر 2020

Thu - 12 Nov 2020

رأس تمثال من تيماء  (مكة)
رأس تمثال من تيماء (مكة)
تتميز مناطق شمال المملكة وخاصة العلا وتيماء وحائل، وشرق المملكة وخاصة جزيرة تاروت بأنها شهدت حضارات متقدمة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، مما انعكس على ما أنتجته تلك الحضارات من إرث متنوع من بينه التماثيل التي عثر عليها في السنوات الأخيرة.

وكشفت هذه التماثيل تقدم هذه الحضارات في أسلوب النحت وجمالية الرسم وتنوع الموضوع، وتطورت مدرسة النحت في هذه الحضارات بابتكار أساليب فنية انتشرت في مناطق أخرى من العالم.

ونوه علماء الآثار إلى أن حضارة دادان بالعلا، كانت في عهد اللحيانيين خلال الألف الأول قبل الميلاد واحدة من أهم مراكز فن نحت التماثيل في الجزيرة العربية والعالم.

لوحات حجرية

ووفقا لدراسة صادرة عن الجمعية السعودية للدراسات الأثرية لكل من الدكتور عبدالعزيز الغزي والدكتور سعيد السعيد أستاذي الآثار بجامعة الملك سعود فإن بوادر نحت التماثيل في مواقع متفرقة من الجزيرة العربية ظهرت خلال الألف الرابع قبل الميلاد، حيث عثر على بعض التماثيل في حائل والعلا اتسمت بأنها أقرب ما تكون إلى اللوحات الحجرية المسطحة، ولذا أطلق البعض عليها لفظة النصب أو المسلات، حيث يظهر شكلها العام مستطيلا وتنتهي من أعلى بالرأس المدبب.

لوح حجري منحوت على شكل إنسان              (مكة)
لوح حجري منحوت على شكل إنسان (مكة)



ونحتت ملامح وجوهها بطريقة الحز، والذراعين الملتصقين بالجسد، والأيدي أسفل الصدر. واكتفى النحات في أغلب الأحيان بتشكيل الرأس والجذع، وأحيانا يجري نحت وتحديد عام للساقين. واتسمت هذه التماثيل أيضا بعدم تحرير أجزاء التمثال من بعضها، وظهر التمثال وكأنه كتلة حجرية جامدة.

وأوضحت الدراسة أنه ظهرت البدايات الأولى للنحت في شرق الجزيرة العربية في الفترة نفسها، حيث عثر في جزيرة تاروت على تمثالين مؤرخين بالألف الرابع قبل الميلاد، تشير ملامحهما لانتمائهما إلى عصر حضارة العبيد. وتطور نحت التماثيل في شرق الجزيرة العربية خلال الألف الثالث قبل الميلاد، حيث ظهرت الهيئات الآدمية في جزيرة تاروت بملامح واضحة ونسب جيدة، وتمكن الفنان من تحرير أطراف التمثال، فظهر عنصر التفريغ واضحا في الفصل بين الساقين من ناحية، وبين الذراعين والجذع من ناحية أخرى، على الرغم من وضع اليدين على الصدر في وضع تعبدي، في هيئة قريبة من هيئات المتعبدين في وادي الرافدين.

ملتقى طرق

ومنذ أواخر الألف الثاني وخلال الألف الأول قبل الميلاد، خطا فن نحت التماثيل خطوات واسعة من التطور في أغلب مناطق الجزيرة العربية سواء في مناطقها الجنوبية أو الوسطى والشمالية الغربية. فقد اتسم فن النحت في حضارة مدين بشمال غرب الجزيرة العربية، بالتنوع سواء بالنسبة لموضوعاته التي شملت أشكالا آدمية وحيوانية ذات أغراض دينية أو اقتصادية، أو بخصوص المواد المشكلة منها هذه المنحوتات، والتي شملت الطين والفخار والحجر، فضلا عن النحاس.

وكانت تيماء ملتقى لطرق القوافل التجارية في شمال غرب الجزيرة، فظهر ذلك الدور بوضوح في آثارها بشكل عام، وأعمالها المنحوتة بشكل خاص، ولا سيما في نقوش حجرها المكعب والمحفوظ بالمتحف الوطني بالرياض.

وخطا فن النحت في تيماء أيضا خطوات واسعة من التطور والرقي، سواء ما يتعلق منها بالتماثيل الآدمية أو الحيوانية والمنحوتة من الحجر، حيث عثر بها على أجزاء من تماثيل حجرية كبيرة الحجم لهيئات آدمية، تمثل ملوكا لحضارة مدين.

وتميز موقع قرية الفاو، والتي كانت عاصمة لمملكة كندة، بثراء وتنوع منحوتاتها، سواء من حيث موضوعاتها أو مواد تشكيلها أو أساليبها الفنية، حيث عثر فيها على مجموعة هامة من التماثيل التي دلت على براعة فنانيها في مجال الفنون التشكيلية، والتي شملت التماثيل المعدنية والحجرية والطينية والخزفية. ودلت التماثيل المعدنية على وجه الخصوص على الذوق الفني الرفيع لسكان الفاو.

تماثيل معدنية

ويتضح من خلال مجموعة التماثيل المكتشفة في حضارة دادان بالعلا، أنها كانت في عهد اللحيانيين واحدة من أهم مراكز فن نحت التماثيل في الجزيرة العربية خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد. والتي لم يقتصر فن النحت فيها على التماثيل الحجرية فقط، وإنما دلت النقوش أيضا على وجود حرفة صياغة وتشكيل التماثيل المعدنية وبالأخص من النحاس وإن لم يعثر على أي منها في مواسم التنقيب السبعة الأولى في دادان. هذا فضلا عن تشكيل تماثيل صغيرة من الفخار.

وأشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من عدم احتفاظ ما تبقى من هذه التماثيل بأسماء أصحابها، التي ربما كانت مسجلة عليها، ولكنها تحطمت بمرور الوقت بسبب ما أصابها من تدمير وإعادة استخدام في أعمال البناء في المراحل التالية، إلا أن ضخامة حجمها ودقة نحتها وعظم هيئاتها، كل ذلك يدل على علو مكانة أصحابها، وبالتالي فهي تخص أعلى طبقة موجودة في المجتمع الذي وجدت فيه، ألا وهم طبقة الملوك. وقد يؤدي ذلك النص المسجل على أحد أجزاء هذه التماثيل، والذي يقرأ «ملك لحيان ومن المحتمل أن التماثيل صغيرة الحجم، تمثل بعضا من كبار رجال الدولة من الأثرياء أو الموظفين».